قوله تعالى ﴿ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٢٨) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أخبرنا - في قراءة الرفع - عن أنفسهم بما تمنوا لأجله الرد، وتضمنت قراءة النصب الوعد، فإنه كما لو قال قائل : ليت الله يرزقني مالاً فأكافئك على صنيعك، فإنه ينجر إلى : إن رزقني الله مالاً كافأتك، فصار لذلك مما يقبل التكذيب، أضرب عنه سبحانه تكذيباً لهم بقوله :﴿بل﴾ أي ليس الأمر كما قالوا، لأن هذا التمني ليس عن حقيقة ثابتة في أنفسهم من محبة مضمونه وثمرته، بل ﴿بدا﴾ أي ظهر ﴿لهم﴾ من العذاب الذي لا طاقة لهم به ﴿ما كانوا يخفون﴾ أي من أحوال الآخرة ومرائهم على باطل! ولما كان إخفاؤهم ذلك في بعض الزمان قال :﴿من قبل﴾ أي يدعون أنه خفي، بل لا حقيقة له، ويسترون ما تبديه الرسل من دلائله عناداً منهم مع أنه أوضح من شمس النهار بما يلبسون من الهيبة فلذلك تمنوا ما ذكروا ﴿ولو ردوا﴾ أي إلى الدنيا ﴿لعادوا لما نهوا عنه﴾ أي من الكفر والفضائح التي كانوا عليها وستر ما اتضح لعقولهم من الدلائل ﴿وإنهم لكاذبون﴾ أي فيما أخبروا به عن أنفسهم من مضمون تمنيهم أنهم يفعلونه لو ردوا. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٦٢٣﴾

فصل


قال الفخر :
معنى ﴿بَلْ﴾ ههنا رد كلامهم، والتقدير : أنهم ما تمنوا العود إلى الدنيا، وترك التكذيب، وتحصيل الإيمان لأجل كونهم راغبين في الإيمان، بل لأجل خوفهم من العقاب الذي شاهدوه وعاينوه.
وهذا يدل على أن الرغبة في الإيمان والطاعة لا تنفع إلا إذا كانت تلك الرغبة رغبة فيه، لكونه إيماناً وطاعة، فأما الرغبة فيه لطلب الثواب، والخوف من العقاب فغير مفيد. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٥٩ ـ ١٦٠﴾
وقال السمرقندى :
قوله تعالى :﴿ بَلْ بَدَا لَهُمْ ﴾ يعني : ظهر لهم ﴿ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ﴾ بألسنتهم.
لأن الجوارح تشهد عليهم بالشرك، فحينئذٍ يتمنون الرجعة ﴿ وَلَوْ رُدُّواْ ﴾ إلى الدنيا ﴿ لعادوا لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ﴾ يعني : رجعوا إلى كفرهم ﴿ وَإِنَّهُمْ لكاذبون ﴾ في قولهم :﴿ وَلاَ نُكَذّبَ بئايات رَبّنَا ﴾ لأنهم قد علموا في الدنيا وعاينوه.
وقد عاين إبليس وشاهد ومع ذلك كفر وكذلك هاهنا لو رجعوا لكفروا كما كفروا من قبل، لأنك ترى في الدنيا إنساناً أصابه مرض أو حبس في السجن، أخلص بالتوبة لله تعالى أن لا يرجع إلى الفسق، فإذا برأ من مرضه أو أطلق من الحبس رجع إلى الحال الأول. أ هـ ﴿بحر العلوم حـ ١ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon