قوله تعالى ﴿ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٨٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ختم ببشارة من دل على إيمانهم إسلامهم بفعل ما يدل على هوان أمر العدو، وكان هلاك المشانىء من أعظم البشائر، وكان ضلال فرعون وقومه بالزينة والمال إضلالاً لغيرهم، سأل موسى عليه السلام إزاله ذلك كله للراحة من شره، فقال تعالى حاكياً عنه :﴿وقال موسى﴾ أي بعد طول دعائه لفرعون وإظهار المعجزات لديه وطول تكبره على أمر الله وتجبره على المستضعفين من عباده، ولما كان من أعظم أهل الاصطفاء، أسقط الأداة تسنناً بهم، وأشار بصفة الإحسان إلى أن هلاك أعدائهم أعظم إحسان إليهم فقال :﴿ربنا﴾ أي أيها المحسن إلينا ﴿إنك﴾ أكد لما للجهال من إنكار أن يكون عطاء الملك الأعظم سبباً للإهانة ﴿آتيت فرعون وملأه﴾ أي أشراف قومه على ما هم فيه من الكفر والكبر ﴿زينة﴾ أي عظيمة يتزينون بها من الحلية واللباس وغيرهما ﴿وأموالاً﴾ أي كثيرة من الذهب والفضة وغيرهما ﴿في الحياة الدنيا﴾ روي عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أنه كان لهم من فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن من ذهب وفضة وزبرجد وياقوت ؛ ثم بين غايتها لهم فقال مفتتحاً بالنداء باسم الرب ليعيذه وأتباعه من مثل حالهم :﴿ربنا﴾ أي أيها الموجد لنا المحسن إلينا والمدبر لأمورنا ﴿ليضلوا﴾ في أنفسهم ويضلوا غيرهم ﴿عن سبيلك﴾ أي الطريق الواسعة التي نهجتها للوصول إلى رحمتك.
ولما بين أن مآلهم الضلال، دعا عليهم فقال مفتتحاً أيضاً بالنداء باسم الرب ثالثاً لأن ذلك من أمارات الإجابة كما أُشير إليه في آخر آل عمران وإشارة إلى أنهم لا صلاح لهم بدون هلاكهم وهلاكها :﴿ربنا اطمس﴾ أي أوقع الطمس وهو التسوية بين المطموس وبين غيره مما ليس له نفعه ﴿على أموالهم ﴾.


الصفحة التالية
Icon