قوله تعالى ﴿ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (١٠٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما نهى عن السؤال عنها ليتعرف حالها، علل ذلك بأن غيرهم عرف أشياء وطلب أن يعطاها، إما بأن سأل غيره ذلك، وإما بأن شرعها وسأل غيره أن يوافقه عليها وهو قاطع بأنها غاية في الحسن فكانت سبب شقائه فقال :﴿قد سألها﴾ يعني أمثالها، ولم يقل : سأل عنها، إشارة إلى ما أبدته ﴿قوم﴾ أي أولو عزم وبأس وقيام في الأمور.
ولما كان وجود القوم فضلاً عن سؤالهم لم يستغرق زمان القبل، أدخل الجار فقال :﴿من قبلكم﴾ ولما كان الشيء إذا جاء عن مسألة جديراً بالقبول لا سيما إذا كان من ملك فكيف إذا كان من ملك الملوك.
فكان رده في غاية البعد، عبر عن استبعاده بأداة العبد في قوله :﴿ثم أصبحوا بها﴾ أي عقب إتيانهم إياها سواء من غير مهلة ﴿كافرين﴾ أي ثابتين في الكفر، هذا زجر بليغ لأن يعودوا لمثل ما أرادوا من تحريم ما أحل لهم ميلاً إلى الرهبانية والتعمق في الدين المنهي عنه بقوله :﴿لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم﴾ [ المائدة : ٨٧ ]. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥٥٠﴾
فصل
قال الفخر :
قال المفسرون : يعني قوم صالح سألوا الناقة ثم عقروها وقوم موسى قالوا :﴿أَرِنَا الله جَهْرَةً﴾ [ النساء : ١٥٣ ] فصار ذلك وبالاً عليهم، وبنو إسرائيل ﴿قَالُواْ لِنَبِىّ لَّهُمُ ابعث لَنَا مَلِكًا نقاتل فِى سَبِيلِ الله﴾ قال تعالى : فما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم} [ البقرة : ٢٤٦ ] و﴿قَالُواْ أنى يَكُونُ لَهُ الملك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بالملك مِنْهُ﴾ [ البقرة : ٢٤٧ ] فسألوها ثم كفروا بها، وقوم عيسى سألوا المائدة ثم كفروا بها، فكأنه تعالى يقول أولئك سألوا فلما أعطوا سؤالهم ساءهم ذلك فلا تسألوا عن أشياء فلعلكم إن أعطيتم سؤلكم ساءكم ذلك فإن قيل : إنه تعالى قال : أولا :﴿لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء﴾ [ المائدة : ١٠١ ] ثم قال ههنا :﴿قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مّن قَبْلِكُمْ﴾ وكان الأولى أن يقول : قد سأل عنها قوم فما السبب في ذلك.