قوله تعالى ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (٥٢)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أنتج ذلك خزيهم قال :﴿أولئك﴾ أي البعداء عن الحضرات الربانية ﴿الذين لعنهم الله﴾ أي طردهم بجميع ما له من صفات الكمال طرداً هم جديرون بأن يختصوا به.
ولما كان قصدهم بهذا القول مناصرة المشركين لهم وكان التقدير : فنالوا بذلك اللعن الذل والصغار، عطف عليه قوله :﴿ومن يلعن الله﴾ أي الملك الذي له الأمر كله منهم ومن غيرهم ﴿فلن تجد له نصيراً﴾ أي في وقت من الأوقات أصلاً، وكرر التعبير بالاسم الأعظم لأن المقام يقتضيه إشعاراً لتناهي الكفر الذي هو أعظم المعاصي بتناهي الغضب. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٦٧﴾
فصل
قال الفخر :
بين أن عليهم اللعن من الله وهو الخذلان والإبعاد، وهو ضد ما للمؤمنين من القربة والزلفى ؛ وأخبر بعده بأن من يلعنه الله فلا ناصر له، كما قال :﴿مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُواْ أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً﴾ [ الأحزاب : ٦١ ] فهذا اللعن حاضر، وما في الآخرة أعظم، وهو يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله، وفيه وعد للرسول ﷺ بالنصرة وللمؤمنين بالتقوية، بالضد على الضد، كما قال في الآيات المتقدمة :﴿وكفى بالله وَلِيّاً وكفى بالله نَصِيراً﴾ [ النساء : ٤٥ ].
واعلم أن القوم إنما استحقوا هذا اللعن الشديد لأن الذي ذكروه من تفضيل عبدة الأوثان على الذين آمنوا بمحمد ﷺ يجري مجرى المكابرة، فمن يعبد غير الله كيف يكون أفضل حالا ممن لا يرضى بمعبود غير الله! ومن كان دينه الاقبال بالكلية على خدمة الخالق والاعراض عن الدنيا والاقبال على الآخرة، كيف يكون أقل حالا ممن كان بالضد في كل هذه الأحوال، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٠٤﴾
وقال ابن عطية :
و﴿ لعنهم ﴾ معناه : أبعدهم من خيره ومقتهم، ومن يفعل الله ذلك به ويخذله فلا ناصر له من المخلوقين، وإن نصرته طائفة، فنصرتها كلا نصرة، إذ لا تغني عنه شيئاً. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ٦٧﴾