قوله تعالى ﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكر هذه السورة أي الطائفة الحاضة بصيغة " لولا " على النفر مع رسول الله ـ ﷺ ـ الآمرة بجهاد الكفار والغلظة عليهم، وكان لا يحمل على ذلك إلا ما أشار إليه ختم الآية السالفة من التقوى بتجديد الإيمان كلما نزل شيء من القرآن، وكان قد ذكر سبحانه المخالفين لأمر الجهاد بالتخلف دون أمر الإيمان حين قال ﴿وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين﴾ التفت إلى ذلك ليذكر القسم الآخر وهو القاعد عن الإيمان فقال :﴿وإذا﴾ وأكد بزيادة النافي تنبيهاً على فضل الإيمان فقال :﴿ما ﴾.
ولما كان المنكي لهم مطلق النزول، بني للمفعول قوله :﴿أنزلت سورة﴾ أي قطعة من القرآن، أي في معنى من المعاني ﴿فمنهم﴾ أي من المنزل إليهم ﴿من يقول﴾ أي إنكاراً واستهزاء، وهم المنافقون ﴿أيكم﴾ أي أيها العصابة المنافقة ﴿زادته هذه إيماناً﴾ إيهاماً لأنهم متصفون بأصل الإيمان، لأن الزيادة ضم الشيء إلى غيره مما يشاركه في صفته، هذا ما يظهرون تستراً، وأما حقيقة حالهم عند أمثالهم فالاستهزاء استبعاداً لكونها تزيد أحداً في حاله شيئاً، وسبب شكهم واستفهامهم أن سامعيها انقسموا إلى قسمين : مؤمنين ومنافقين، ولذلك أجاب تعالى بقوله مسبباً عن إنزالها :﴿فأما الذين آمنوا﴾ أي أوقعوا الإيمان حقيقة لصحة أمزجة قلوبهم ﴿فزادتهم﴾ أي تلك السورة ﴿إيماناً﴾ أي بإيمانهم بها إلى ما كان لهم من الإيمان بغيرها وبتدبرها ورقة القلوب بها وفهم ما فيها من المعارف الموجبة لطمأنينة القلوب وثلج الصدور.
ولما كان المراد بالإيمان الحقيقة وكانت الزيادة مفهمة لمزيد عليه، استغنى عن أن يقول : إلى إيمانهم، لذلك ولدلالة ﴿الذين آمنوا﴾ عليه ﴿وهم يستبشرون﴾ أي يحصل لهم البشر بما زادتهم من الخير الباقي الذي لا يعدله شيء. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٤٠٤ ـ ٤٠٥﴾


الصفحة التالية
Icon