قوله تعالى ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أفهم العطف الآتي أن الناس قسمان، وأن التقدير : فإن منكم من يؤمن فبتقي فينجو من شر ذلك اليوم الذي اقتضت الحكمة إظهار العظمة فيه ليزداد حزب الله فرحاً، وحزب الشيطان غماً وترحاً، عطف عليه قوله :﴿ومن الناس﴾ أي المذبذبين المضطربين ﴿من﴾ لا يسعى في إعلاء نفسه وتهذيبهاً فيكذب فيوبق بسوء أعماله، لأنه ﴿يجادل في الله﴾ أي في قدرة الملك الأعظم على ذلك اليوم وفي غير ذلك من شؤونه بعد أن جاءه العلم بها اجتراء على سلطانه العظيم ﴿بغير علم﴾ بل بالباطل الذي هو جهل صرف، فيترك اتباع الهداة النصحاء ﴿ويتبع﴾ بغاية جهده في جداله ﴿كل شيطان﴾ أي محترق بالشر مبعد باللعن.
ولما كان السياق لذم متبعه، أشار إلى أنه لا قصد له في اتباعه إلا الشر، لأنه لا لبس في أمره بصيغة المبالغة كما مضى في النساء ويأتي في الصافات، فقال :﴿مريد﴾ أي متجرد للفساد لا شغل له غيره، فهو في غاية الضراوة عليه، قال البيضاوي : وأصله العرى ﴿كتب﴾ أي قضى وقدر على سبيل الحتم الذي لا بد منه، تعبير باللازم عن الملزوم ﴿عليه﴾ أي على ذلك الشيطان ﴿أنه من تولاه﴾ أي فعل معه فعل الولي مع وليه، باتباعه والإقبال على ما يزينه ﴿فأنه يضله﴾ بما يبغض إليه من الطاعات فيخطىء سبيل الخير.
ولما نفّر عن توليه بإضلاله لأن الضلال مكروه إلى كل أحد، بين أنه إضلال لا هدى معه أصلاً فقال :﴿ويهديه﴾ أي بما يزين له من الشهوات، الحاملة على الزلات، إعلاماً بأنه إن كان له هدى إلى شيء فهو ﴿إلى عذاب السعير ﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ١٣٢﴾


الصفحة التالية
Icon