قوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (١٢٢)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكر ما للكافرين ترهيباً أتبعه ما لغيرهم ترغيباً فقال :﴿والذين آمنوا﴾ أي بوعد لا خلف فيه ﴿جنات تجري﴾ وقرب وبعض بقوله :﴿من تحتها الأنهار﴾ أي لرّي أرضها، فحيث ما أجرى منها نهر جرى.
ولما كان الانزعاج عن مطلق الوطن - ولو لحاجة تعرض - شديداً، فكيف بهذا! قال :﴿خالدين فيها﴾ ولما كان الخلود يطلق على مجرد المكث الطويل، دل على أنه لا بإلى آخر بقوله :﴿أبداً﴾ ثم أكد ذلك بأن الواقع يطابقه، وهويطابق الواقع فقال :﴿وعد الله حقاً﴾ أي يطابقه الواقع، لأنه الملك الأعظم وقد برز وعده بذلك، ومن أحق من الله وعداً، وأخبر به خبراً صاداقً يطابق الواقع ﴿ومن أصدق من الله﴾ أي المختص بصفات الكمال ﴿قيلاً﴾ وأكثر من التأكيد هنا لأنه في مقابلة وعد الشيطان، ووعد الشيطان موافق للهوى الذي طبعت عليه النفوس فلا تنصرف عنه إلا بعسر شديد. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٢٢﴾
فصل
قال الفخر :
ولما ذكر الله الوعيد أردفه بالوعد فقال :﴿والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَنُدْخِلُهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا أَبَداً وَعْدَ الله حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قيلا ﴾.
واعلم أنه تعالى في أكثر آيات الوعد ذكر ﴿خالدين فِيهَا أَبَداً﴾ ولو كان الخلود يفيد التأبيد والدوام للزم التكرار وهو خلاف الأصل، فعلمنا أن الخلود عبارة عن طول المكث لا عن الدوام، وأما في آيات الوعيد فإنه يذكر الخلود ولم يذكر التأبيد إلا في حق الكفار، وذلك يدل على أن عقاب الفساق منقطع.
ثم قال :﴿وَعْدَ الله حَقّا﴾ قال صاحب "الكشاف" : هما مصدران : الأول : مؤكد لنفسه، كأنه قال : وعد وعداً وحقاً مصدر مؤكد لغيره، أي حق ذلك حقاً.
ثم قال :﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلاً﴾ وهو توكيد ثالث بليغ.
وفائدة هذه التوكيدات معارضة ما ذكره الشيطان لأتباعه من المواعيد الكاذبة والأماني الباطلة، والتنبيه على أن وعد الله أولى بالقبول وأحق بالتصديق من قول الشيطان الذي ليس أحد أكذب منه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٤١﴾