قوله تعالى ﴿ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (١١٩) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (١٢٠) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (١٢٢) ﴾
مناسبة الآيات لما قبلها
قال البقاعى :
ولما علم أن ما صنعوه إنما هم خيال، وما صنعه موسى عليه السلام أثبت من الجبال، سبب معقباً قوله :﴿فوقع الحق﴾ أي الذي لا شيء أثبت منه، فالواقع يطابقه لأن باطن الأمر مطابق لما ظهر منه من ابتلاعها لأمتعتهم فالإخبار عنه صدق، وفيه تنبيه على أن فعلهم إنما هو خيال بالنسبة إلى ظاهر الأمر، وأما في الباطن والواقع فلا حقيقة له، فالإخبار عن تحرك ما ألقوه كذب.
ولما أخبر عن ثبات الحق، أتبعه زوال الباطل فقال :﴿وبطل﴾ بحيث عدم أصلاً ورأساً ﴿ما كانوا يعملون﴾ فدل بكان والمضارع على أنهم - مع بطلان ما عملوا - نسوا علمهم بحيث إنه أسند عليهم باب العمل بعد أن كان لهم به ملكة كملكة ما هو كالجبلة - والله أعلم ؛ ثم سبب عن هذا قوله :﴿فغلبوا هنالك﴾ أي عند هذا الأمر العظيم العالي الرتبه ﴿وانقلبوا﴾ أي جزاء على قلبهم لتلك الحقائق عن وجوهها حال كونهم ﴿صاغرين﴾ أي بعد أن كانوا - عند أنفسهم ومن يقول بقولهم وهوالأغلب - عالين، ولا ذل ولا صغار أعظم في حق المبطل من ظهور بطلان قوله على وجه لا يكون فيه حيلة.
ولما كان الأدب وذل النفس لا يأتي إلا بخير، لأنه اللائق بالعبيد، قاد كثيراً منهم إلى السعادة الأبدية، فلذلك قال :﴿وألقي السحرة﴾ أي ألقاهم ملقى الخوف من الله والشوق إلى الخضوع بين يديه والذل لديه حين عرفوا أن ما فعله موسى عليه السلام أمر سماوي، صدق الله تعالى به موسى عليه السلام في أنه رسوله، ولم يتأخروا بعد ذلك أصلاً حتى كأنهم خروا من غير اختيار ﴿ساجدين﴾ شكراً لله تعالى وانسلاخاً عن الكفر ودليلاً على أقصى غايات الخضوع، فعل الله ذلك بهم حتى تبهر به فرعون وملأه وتحير عقولهم.
ولما كانوا بمعرض التشوف العظيم إلى معرفة قولهم بعد فعلهم، أخبر عن ذلك سبحانه بقوله :﴿قالوا﴾ أي حال إلقائهم للسجود ﴿آمنّا﴾ أي كلنا ﴿برب العالمين﴾ أي الذي خلق فرعون ومن قبله وما يعيشون به ؛ ثم خصوا من هداهم الله على أيديهما تصريحاً بالمراد وتشريفاً لهما فقالوا :﴿رب موسى﴾ ثم أزالوا الشبهة بحذافيرها - لأن فرعون ربما ادعى بتربية موسى عليه السلام أنه المراد - بقولهم :﴿وهارون﴾ وفي الآية دليل على أن ظهور الآية موجب للإيمان عند من ظهرت له، ولو أن الرسول غير مرسل إليه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٨٣ ـ ٨٤﴾
فصل
قال الفخر :
ثم قال تعالى :﴿فَوَقَعَ الحق﴾ قال مجاهد والحسن : ظهر.