قوله تعالى ﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما نفى عن نفسه ما يستحق النفي ودل عليه، أثبت ما قاله لهم على وجه مصرح بنفي غيره ليكون ما نسب إليه من دعوى الإلهية منفياً مرتين : إشارة وعبارة، فقال معبراً عن الأمر بالقول مطابقة للسؤال، وفسر بالأمر بياناً لأن كل ما قاله من مباح أو غيره دائر على الأمر من حيث الاعتقاد بمعنى أن المخاطب بما قاله الرسول مأمور بأن يعتقد فيه أنه بتلك المنزلة، لا يجوز أن يعتقد فيه أنه فوقها ولا دونها، يعبد الله تعالى بذلك :﴿ما قلت لهم﴾ أي ما أمرتهم بشيء من الأشياء ﴿إلا ما أمرتني به﴾ ثم فسره دالاً بشأن المراد بالقول الأمر بالتعبير في تفسيره بحرف التفسير بقوله :﴿أن اعبدوا﴾ أي ما أمرتهم إلا بعبادة ﴿الله﴾ أي الذي لم يستجمع نعوت الجلال والجمال أحد غيره ؛ ثم أشار إلى أنه كما يستحق العبادة لذاته يستحقها لنعمه فقال :﴿ربي وربكم﴾ أي أنا وأنتم في عبوديته سواء، وهذا الحصر يصح أن يكون للقلب على أن دون بمعنى غير، وللإفراد على أنها بمعنى سفول المنزلة، وهو من بدائع الأمثلة.
ولما فهم ﷺ من هذا السؤال أن أتباعه غلوا في شأنه، فنزه الله سبحانه وعز شأنه من ذلك وأخبره بما أمر الناس به في حقه سبحانه من الحق، اعتذر عن نفسه بما يؤكد ما مضى نفياً وإثباتاً فقال :﴿وكنت عليهم﴾ أي خاصة لا على غيرهم.


الصفحة التالية
Icon