ولما كان سبحانه قد أرسله شاهداً، زاد في الطاعة في ذلك إلى أن بلغ جهده كإخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فقال معبراً بصيغة المبالغة :﴿شهيداً﴾ أي بالغ الشهادة، لا أرى فيهم منكراً إلا اجتهدت في إزالته ﴿ما دمت فيهم﴾ وأشار إلى الثناء على الله بقوله :﴿فلما توفيتني﴾ أي رفعتني إلى السماء كامل الذات والمعنى مع بذلهم جهدهم في قتلي ﴿كنت أنت﴾ أي وحدك ﴿الرقيب﴾ أي الحفيظ القدير ﴿عليهم﴾ لا يغيب عليك شيء من أحوالهم، وقد منعتهم أنت أن يقولوا شيئاً غير ما أمرتهم أنا به من عبادتك بما نصبت لهم من الأدلة وأنزلت عليهم على لساني من البينات ﴿وأنت على كل شيء﴾ أي منهم ومن غيرهم حيوان وجماد ﴿شهيد﴾ أي مطلع غاية الاطلاع، لا يغيب عنك شيء منه سواء كان في عالم الغيب أو الشهادة، فإن كانوا قالوا ذلك فأنت تعلمه دوني، لأني لما بعدت عنهم في المسافة انقطع علمي عن أحوالهم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥٧٥﴾
" فصل "
قال الماوردى :
قوله عز وجل :﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ ﴾ لم يذكر عيسى ذلك على وجه الإِخبار به لأن الله عالم به، ويحتمل وجهين :
أحدهما : تكذيباً لمن اتخذ إلهاً معبوداً.
والثاني : الشهادة بذلك على أمته فيما أمرهم به من عبادة ربه.
قوله تعالى :﴿ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : إعلامهم أن الله ربه وربهم واحد.
والثاني : أن عليه وعليهم أن يعبدوا رباً واحداً حتى لا يخالفوا فيما عبدوه.
﴿ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيِهِمْ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : يعني شاهداً.
والثاني : شاهداً عليهم.
﴿ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه الموت.
والثاني : أنه رفعه إلى السماء.
﴿... الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : الحافظ عليهم.
والثاني : العالم بهم.
﴿ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ يحتمل وجهين :


الصفحة التالية
Icon