قوله تعالى ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٢)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تم ذلك على هذه الوجوه الظاهره التي أوجبت اليقين لكل منصف بأنهم مغلوبون وصل بها أمره ﷺ وهو الحبيب العزيز بأن يصرح لهم بمضمون ذلك فقال :﴿قل للذين كفروا﴾ أي من أهل زمانك جرياً على منهاج أولئك الذين أخذناهم ﴿ستغلبون﴾ كما غلبوا وإن كنتم ملأ الأرض لأنكم إنما تغالبون خالقكم وهو الغالب لكل شيء :" وليُغلَبنّ مُغالبُ الغَلاّب " واللام على قراءة الجمهور بالخطاب معدية، وعلى قراءة الغيب معللة، أي قل لأجلهم، أو هي بمعنى عن، أي قل عنهم، وقد أفهم الإخبار بمجرد الغلبة دون ذكر العذاب كما كان يذكر في تهديد من قبلهم أن أخذهم بيد المغالبة والمدافعة والنصرة تشريفاً لنبيهم ﷺ لأنه عرض عليه عذابهم فأبى إلا المدافعة على سنة المصابرة، فكان أول ذلك غلبته ﷺ على مكة المشرفة، وكان فتحها فتحاً لجميع الأرض لأنها أم القرى نبه على ذلك الحرالي.
﴿وتحشرون﴾ أي تجمعون بعد موتكم أحياء كما كنتم قبل الموت ﴿إلى جهنم﴾ قال الحرالي : وهي من الجهامة، وهي كراهه المنظر انتهى ؛ فتكون مهادكم، لا مهاد لكم غيرها ﴿وبئس﴾ أي والحال أنها بئس ﴿المهاد﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣١﴾
وقال ابن عاشور :
قوله تعالى ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ﴾
استئناف ابتدائي، للانتقال من النذارة إلى التهديد، ومن ضرب المثل لهم بأحوال سلفهم في الكفر، إلى ضرب المثل لهم بسابق أحوالهم المؤذنة بأن أمرهم صائر إلى زوال، وأن أمر الإسلام ستندك له صم الجبال. وجيء في هذا التهديد بأطنب عبارة وأبلغها ؛ لأن المقام مقام إطناب لمزيد الموعظة، والتذكير بوصف يوم كان عليهم، يعلمونه. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٣٤﴾


الصفحة التالية
Icon