قوله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (٣٠) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (٣١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
فكأنه قيل : فما لمن آمن؟ فقال تعالى :﴿إن الذين ءامنوا﴾ ولما كان الإيمان هو الإذعان للأوامر، عطف عليه ما يحقق ذلك فقال تعالى :﴿وعملوا الصالحات﴾ ثم عظم جزاءهم بقوله تعالى :﴿إنا لا نضيع﴾ أي بوجه من الوجوه لما يقتضيه عظمتنا ﴿أجر من أحسن عملاً﴾ مشيراً بإظهار ضميرهم إلى أنهم استحقوا بذلك الوصف بالإحسان، فكأنه قيل : فما لهم؟ فقال مفصلاً لما أجمل من وعدهم :﴿أولئك﴾ أي العالو الرتبة ﴿لهم جنات عدن﴾ أي إقامة، فكأنه قيل : ما لهم فيها؟ فقيل :﴿تجري من تحتهم﴾ أي تحت منازلهم ﴿الأنهار﴾ فكأنه قيل : ثم ماذا؟ فقيل :﴿يحلون فيها﴾ وبنى الفعل للمجهول لأن القصد وجود التحلية، وهي لعزتها إنما يؤتى بها من الغيب فضلاً من الله تعالى.
ولما كان الله أعظم من كل شيء، فكانت نعمه لا يحصى نوع منها، قال تعالى مبعضاً :﴿من أساور﴾ جمع أسورة جمع سوار، كما يلبس ذلك ملوك الدنيا من جبابرة الكفرة في بعض الأقاليم كأهل فارس.
ولما كان لمقصودها نظر إلى التفضيل والفعل بالاختيار على الإطلاق، وقع الترغيب في طاعته بما هو أعلى من الفضة فقال مبعضاً أيضاً :﴿من ذهب﴾ أي ذهب هو في غاية العظمة.
ولما كان اللباس جزاء العمل وكان موجوداً عندهم، أسند الفعل إليهم فقال تعالى :﴿ويلبسون ثياباً خضراً﴾ ثم وصفها بقوله تعالى :﴿من سندس﴾ وهو ما رقّ من الديباج ﴿وإستبرق﴾ وهو ما غلظ منه ؛ ثم استأنف الوصف عن حال جلوسهم فيها بأنه جلوس الملوك المتمكنين من النعيم فقال تعالى :﴿متكئين فيها﴾ أي لأنهم في غاية الراحة ﴿على الأرائك﴾ أي الأسرع عليها الحجل، ثم مدح هذا فقال تعالى :﴿نعم الثواب﴾ أي هو لو لم يكن لها وصف غير ما سمعتم فكيف ولها من الأوصاف ما لا يعلمه حق علمه إلا الله تعالى! وإلى ذلك أشار بقوله تعالى :﴿وحسنت﴾ أي الجنة كلها، وميز ذلك بقوله تعالى :﴿مرتفقاً ﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ٤٦٥ ـ ٤٦٦﴾


الصفحة التالية
Icon