قوله تعالى ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كانت هدايته مشروطة بشرط صلاح الجبلة، بين ذلك بقوله واصفاً له :﴿يهدي به﴾ أي الكتاب ﴿الله﴾ أي الملك الأعظم القادر على التصرف في البواطن والظواهر ﴿من اتبع﴾ أي كلف نفسه وأجهدها في الخلاص من أسر الهوى بأن تبع ﴿رضوانه﴾ أي غاية ما يرضيه من الإيمان والعمل الصالح، ومعلوم أن ذلك لا يكون إلا بتوفيقه، ثم ذكر مفعول ﴿يهدي﴾ فقال :﴿سبل﴾ أي طرق ﴿السلام﴾ أي الله، باتباع شرائع دينه والعافية والسلامة من كل مكروه ﴿ويخرجهم من الظلمات﴾ أي كدورات النفوس والأهواء والوساس الشيطانية ﴿إلى النور﴾ أي الذي دعا إليه العقل فيصيروا عاملين بأحسن الأعمال كما يقتضيه اختيار من هو في النور ﴿بإذنه﴾ أي بتمكينه.
ولما كان من في النور قد يغيب عنه غرضه الأعظم فلا ينظره لغيبته عنه ببعده منه، وتكثر عليه الأسباب فلا يدري أيها الوصف أو يقرب إيصاله ويسهل أمره، قال كافلاً لهم بالنور مريحاً من تعب السير :﴿ويهديهم﴾ أي بما له من إحاطة العلم والقدرة ﴿إلى صراط مستقيم﴾ أي طريق موصل إلى الغرض من غير عوج أصلاً، وهو الدين الحق، وذلك مقتض للتقرب المستلزم لسرعة الوصول. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٤١٩﴾

فصل


قال الفخر :
﴿يَهْدِى بِهِ الله﴾ أي بالكتاب المبين ﴿مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ﴾ من كان مطلوبه من طلب الدين اتباع الدين الذي يرتضيه الله تعالى، فأما من كان مطلوبه من دينه تقرير ما ألفه ونشأ عليه وأخذه من أسلافه مع ترك النظر والاستدلال، فمن كان كذلك فهو غير متبع رضوان الله تعالى.
ثم قال تعالى :﴿سُبُلَ السلام﴾ أي طرق السلامة، ويجوز أن يكون على حذف المضاف، أي سبل دار السلام، ونظيره قوله ﴿والذين قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ الله فَلَن يُضِلَّ أعمالهم * سَيَهْدِيهِمْ﴾ [ محمد : ٤، ٥ ] ومعلوم أنه ليس المراد هداية الإسلام، بل الهداية إلى طريق الجنة.


الصفحة التالية
Icon