قوله تعالى :﴿ قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان مطلوبه ولداً يقوم مقامه فيما هو فيه من النبوة التي لا يطيقها إلا الذكور الأقويا الكلمة، وكانت العادة قاضية بأن ولد الشيخ يكون ضعيفاً لا سيما إن كان حرثه مع الطعن في السن في أصله غير قابل للزرع أحب أن يصرح له بمطلوبه فقال :﴿أنّى﴾ أي كيف ومن أين ﴿يكون لي﴾ وعبر بما تدور مادته على الغلبة والقوة زيادة في الكشف فقال :﴿غلام﴾ وفي تعبيره به في سياق الحصور دليل على أنه في غاية ما يكون من صحة الجسم وقوته اللازم منه شدة الداعية إلى النكاح، وهو مع ذلك يمنع نفسه منه منعاً زائداً على الحد، لما عنده من غلبة لاشهود اللازم منه الإقبال على العبادة بكليته والإعراض عن كل ما يشغل عنها جملة لا سيما النكاح، بحيث يظن أنه لا إرب له فيه، وهذا الموافق للتعبير الأول للحصور في القاموس، وهو الذي ينبغي ألا يعرج على غيره لأنه بناء مبالغة من متعد، ولأنه أمدح له ﷺ، ومهما دار الشيء على صفة الكمال في الأنبياء عليهم السلام وجب أن لا يعدل عنه، وما ورد - كما يأتي إن شاء الله تعالى في سورة مريم عليها السلام - أن النبي ﷺ قال :" ذكره مثل هذه القذاة " (١) فقد ضعفوه، وعلى تقدير صحته فيكون ذلك إخباراً عن أنه لما أعرض عنه رأساً ضعف ما معه لذلك، فهو إخبار عن آخر أمره الذي أدت إليه عزيمته، والآية مشيرة إلى ما اقتضته خلقته وغريزته وإن كان الجمع لكمال الوجود الإنساني بالنكاح أكمل كما وقع لنبينا ﷺ ويقع لعيسى عليه السلام بعد نزوله ﴿وقد﴾ أي والحال أنه قد ﴿بلغني الكبر﴾ إلى حد لا يولد فيه عادة ﴿وامرأتى عاقر﴾ قال الحرالي : من العقر وهو البلوغ إلى حد انقطاع النسل هرماً - انتهى ؛ كذا قال، وآية سورة مريم تدل على أن المعنى أنها لم تزل عقيماً، وعليه يدل كلام أهل اللغة، قال في القاموس في الراء : العقرة وتضم : العقم، وقد عُقرت كعُنى فهي عاقر، ورجل عاقر وعقير :
(١) باطل لا أصل له. يأتى فى سورة مريم إن شاء الله تعالى.