قوله تعالى ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) ﴾
" فصل "
قال البقاعى :
﴿أبلغكم﴾ وجمع الرسالة لما تقدم في قصة نوح عليه السلام فقال :﴿رسالات ربي﴾ أي المحسن إليّ بتعليمي ما لم أكن أعلم وتأهيلي لما لم يكن في حسابي.
ولما كانوا قد رموه بالسفه الذي هو من غرائز النفس لأنه ضد الحلم والرزانة، عبر عن مضمون الجملة النافية له بما يقتضي الثبات فقال :﴿وأنا لكم ناصح﴾ أي لم يزل النصح من صفتي، وليس هو تكسبته بل غريزة فيّ، وقد بلوتموني فيه قبل الرسالة وإظهار هذه المقالة دهراً دهيراً وزماناً طويلاً ؛ ولما قالوا إنهم يظنون كذبه، زادهم صفة الأمانة فقال :﴿أمين ﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٥٢﴾

فصل


قال الفخر :
والفرق الخامس : بين القصتين أن نوحاً عليه السلام قال :﴿أُبَلّغُكُمْ رسالات رَبّى وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [ الأعراف : ٦٢ ] وأما هود عليه السلام فقال :﴿أُبَلّغُكُمْ رسالات رَبّى وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ فنوح عليه السلام قال :﴿أَنصَحَ لَكُمْ﴾ وهو صيغة الفعل وهود عليه السلام قال :﴿وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ﴾ وهو صيغة اسم الفاعل ونوح عليه السلام.
قال :﴿وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ وهود عليه السلام لم يقل ذلك، ولكنه زاد فيه كونه أميناً، والفرق بين الصورتين أن الشيخ عبد القاهر النحوي ذكر في كتاب دلائل الإعجاز أن صيغة الفعل تدل على التجدد ساعة فساعة، وأما صيغة اسم الفاعل فإنها دالة على الثبات والاستمرار على ذلك الفعل.
وإذا ثبت هذا فنقول : إن القوم كانوا يبالغون في السفاهة على نوح عليه السلام، ثم إنه في اليوم الثاني كان يعود إليهم ويدعوهم إلى الله، وقد ذكر الله تعالى عنه ذلك فقال :﴿رَبّ إِنّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَاراً﴾ [ نوح : ٥ ] فلما كان من عادة نوح عليه السلام العود إلى تجديد تلك الدعوة في كل يوم وفي كل ساعة لا جرم ذكره بصيغة الفعل، فقال :﴿وَأَنصَحُ لَكُمْ﴾ وأما هود عليه السلام فقوله :﴿وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ﴾ يدل على كونه مثبتاً في تلك النصيحة مستقراً فيها.


الصفحة التالية
Icon