قوله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان لا يحصل للنبي ـ ﷺ ـ إلا شيء خفيف جداً كما نبه عليه بالنزغ، وهو ليس بمحقق كما نبهت عليه أداة الشك، وكان لا يستعيذ بالله إلا المتقون فكان كأنه قيل : افعل ذلك عند أول نزغه لتكون من المتقين، علله بقوله :﴿إن الذين اتقوا﴾ أي حصل لهم هذا الوصف، وحقق أذاه لهم بأداة التحقيق - بخلاف ما مضى عند إفراد الخطاب للنبي ـ ﷺ ـ - فقال :﴿إذا مسهم طائف﴾ أي طواف على أنه مصدر، ويجوز أن يكون تخفيف طيّف كميت وهو بمعنى قراءة طائف على أنه فاعل كميت ومائت، ويجوز أن يكون مصدراً أيضاً، وهو إشارة إلى أن الشيطان دائر حولهم لا يفارقهم، فتارة يؤثر فيهم طوافه فيكون قد مسهم مساً هو أكبر من النزغ لكونه أطاف بهم من جميع الجوانب، وتارة لا يؤثر ﴿من الشيطان﴾ أي البعيد من الرحمة المحترق باللعنة ﴿تذكروا﴾ أي كلفوا أنفسهم ذكر الله بجميع ما ينفعهم في ذلك إقداماً وإحجاماً.
ولما كانوا بإسراع التذكر كأنهم لم يمسهم شيء من أمره، أشاره إلى ذلك بالجملة الاسمية مؤكداً لسرعة البصر بإذا الفجائية :﴿فإذا هم﴾ أي بنور ضمائرهم ﴿مبصرون﴾ أي ثابت إبصارهم فلا يتابعون الشيطان، فإن المتقي من يشتهي فينتهي، ويبصر فيقصر، وفي ذلك تنبيه على أن من تمادى مع الشيطان عمي لأنه ظالم، والظالم هو من يكون كأنه في الظلام. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ١٧٦﴾


الصفحة التالية
Icon