فصل


قال الفخر :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١) ﴾
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أنه تعالى بين في الآية الأولى أن الرسول ﷺ قد ينزغه الشيطان وبين أن علاج هذه الحالة الاستعاذة بالله، ثم بين في هذه الآية أن حال المتقين يزيد على حال الرسول في هذا الباب، لأن الرسول لا يحصل له من الشيطان إلا النزغ الذي هو كالابتداء في الوسوسة، وجوز في المتقين ما يزيد عليه وهو أن يمسهم طائف من الشيطان، وهذا المس يكون لامحالة أبلغ من النزغ.
المسألة الثانية :
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ﴿طيف﴾ بغير ألف، والباقون ﴿مَسَّهُمْ طَئِفٌ﴾ بالألف.
قال الواحدي رحمه الله : اختلفوا في الطيف فقيل إنه مصد، وقال أبو زيد يقال : طاف يطوف طوفاً وطوافاً إذا أقبل وأدبر.
وأطاف يطيف إطافة إذا جعل يستدير بالقوم ويأتيهم من نواحيهم، وطاف الخيال يطيف طيفاً إذا ألم في المنام.
قال ابن الأنباري : وجائز أن يكون طيف أصله طيف.
إلا أنهم استثقلوا التشديد، فحذفوا إحدى الياءين وأبقوا ياء ساكنة، فعلى القول الأول هو مصدر، وعلى ما قاله ابن الأنباري هو من باب هين وهين وميت وميت، ويشهد لصحة قول ابن الأنباري قراءة سعيد بن جبير ﴿إِذَا مَسَّهُمْ طيف﴾ بالتشديد.
هذا هو الأصل في الطيف، ثم سمى الجنون والغضب والوسوسة طيفاً، لأنه لمة من لمة الشيطان تشبه لمة الخيال.
قال الأزهري : الطيف في كلام العرب الجنون، ثم قيل للغضب طيف، لأن الغضبان يشبه المجنون.
وأما الطائف فيجوز أن يكون بمعنى الطيف، مثل العافية والعاقبة ونحو ذلك مما جاء المصدر فيه على فاعل وفاعلة.
قال الفراء في هذه الآية : الطائف والطيف سواء، وهو ما كان كالخيال الذي يلم بالإنسان، ومنهم من قال : الطيف كالخطرة والطائف كالخاطر.


الصفحة التالية
Icon