قوله تعالى ﴿ وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (٣٩)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان التقدير : فماذا لهم في الكفر والإنفاق رياء لمن لا ضر ولا نفع بيده ؟ عطف عليه قوله تعنيفاً لهم وإنكاراً عليهم :﴿وماذا عليهم﴾ أي من حقير الأشياء وجليلها ﴿لو آمنوا بالله﴾ أي الذي له كل كمال، وبيده كل شيء ﴿واليوم الآخر﴾ الحامل على كل صلاح ﴿وأنفقوا ﴾.
ولما وصفهم بإنفاق جميع أموالهم للعدو الحقير أشار إلى شحهم فيما هو لله العلي الكبير بشيء يسير يحصل لهم به خير كثير، فقال :﴿مما رزقهم الله﴾ الذي له الغنى المطلق والجود الباهر، ولما كان التقدير : فقد كان الله عليهم لما بذروا أموالهم قديراً، عطف عليه قوله :﴿وكان الله﴾ أي المحيط بصفات الكمال ﴿بهم﴾ أي في كلتا الحالتين ﴿عليماً﴾ أي بليغ العلم، وللإعلام بعظمة العلم بهم قدم الجار المفيد للاختصاص في غير هذا الموضع. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٥٧﴾
فصل
قال الفخر :
قوله :﴿وَمَاذَا عَلَيْهِمْ﴾ استفهام بمعنى الإنكار، ويجوز أن يكون "ماذا" اسما واحدا، فيكون المعنى : وأي الشيء عليهم، ويجوز أن يكون "ذا" في معنى الذي، ويكون "ما" وحدها اسما، ويكون المعنى : وما الذي عليهم لو آمنوا. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ٨١﴾
فصل
قال الفخر :
احتج القائلون بأن الإيمان يصح على سبيل التقليد بهذه الآية فقالوا : إن قوله تعالى :﴿وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ ءامَنُواْ﴾ مشعر بأن الإتيان بالإيمان في غاية السهولة، ولو كان الاستدلال معتبرا لكان في غاية الصعوبة، فإنا نرى المستدلين تفرغ أعمارهم ولا يتم استدلالهم، فدل هذا على أن التقليد كاف.
أجاب المتكلمون بأن الصعوبة في التفاصيل، فأما الدلائل على سبيل الجملة فهي سهلة، واعلم أن في هذا البحث غورا. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ٨١﴾
فصل
قال الفخر :
احتج جمهور المعتزلة بهذه الآية وضربوا له أمثلة، قال الجبائي : ولو كانوا غير قادرين لم يجز أن يقول الله ذلك، كما لا يقال لمن هو في النار معذب : ماذا عليهم لو خرجوا منها وصاروا إلى الجنة، وكما لا يقال للجائع الذي لا يقدر على الطعام : ماذا عليه لو أكل.
وقال الكعبي : لا يجوز أن يحدث فيه الكفر ثم يقول : ماذا عليه لو آمن.
كما لا يقال لمن أمرضه : ماذا عليه لو كان صحيحا، ولا يقال للمرأة : ماذا عليها لو كانت رجلا، وللقبيح : ماذا عليه لو كان جميلا، وكما لا يحسن هذا القول من العاقل كذا لا يحسن من الله تعالى، فبطل بهذا ما يقال : إنه وإن قبح من غيره، لكنه يحسن منه لأن الملك ملكه.