قوله تعالى ﴿ مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان قد قدم من عموم رحمته ما أطمع الفاجر ثم أيأسه من ذلك بما أشير إليه من الخسارة، صرح هنا بما اقتضاه ذلك المتقدم، فقال واصفاً لذلك العذاب مبيناً أن الرحمة في ذلك اليوم على غير المعهود الآن، فإنها خاصة لا عامة دائمة السبوغ على من نالته، لا زائلة وكذا النعمة، هكذا شأن ذلك اليوم ﴿من يصرف عنه﴾ أي ذلك العذاب ؛ ولما كان المراد دوام الصرف في جميع اليوم، قال :﴿يومئذ﴾ أي يوم إذ يكون عذاب ذلك اليوم به ﴿فقد رحمه﴾ أي فعل به بالإنعام عليه فعل المرحوم ﴿وذلك﴾ أي لا غيره ﴿الفوز﴾ أي الظفر بالمطلوب ﴿المبين﴾ أي الظاهر جداً، ومن لم يصرف عنه فقد أهانه، وذلك هو العذاب العظيم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥٩٨﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أنه قرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي ﴿يُصْرَفْ﴾ بفتح الياء وكسر الراء.
وفاعل الصرف على هذه القراءة والضمير العائد إلى ربي من قوله ﴿إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى﴾ [ الأنعام : ١٥ ] والتقدير : من يصرف هو عنه يومئذ العذاب.
وحجة هذه القراءة قوله ﴿فَقَدْ رَحِمَهُ﴾ فلما كان هذا فعلاً مسنداً إلى ضمير اسم الله تعالى وجب أن يكون الأمر في تلك اللفظة الأخرى على هذا الوجه ليتفق الفعلان، وعلى هذا التقدير : صرف العذاب مسنداً إلى الله تعالى، وتكون الرحمة بعد ذلك مسندة إلى الله تعالى، وأما الباقون فإنهم قرؤا ﴿مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ﴾ على فعل ما لم يسم فاعله، والتقدير من يصرف عنه عذاب يومئذ وإنما حسن ذلك لأنه تعالى أضاف الغذاب إلى اليوم في قوله ﴿عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [ الإنعام : ١٥ ] فلذلك أضاف الصرف إليه.
والتقدير : من يصرف عنه عذاب ذلك اليوم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٤١﴾
وقال الآلوسى :
﴿ مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ ﴾ أي من يصرف العذاب عنه فنائب الفاعل ضمير العذاب، وضمير ﴿ عَنْهُ ﴾ يعود على ﴿ مِنْ ﴾، وجوز العكس أي من يصرف عن العذاب.
و﴿ مِنْ ﴾ على الوجهين مبتدأ خبره الشرط أو الجواب أو هما على الخلاف، والظرف متعلق بالفعل أو بالعذاب أو بمحذوف وقع حالاً من الضمير.
وجوز أن يكون نائب الفاعل.
وهل يحتاج حينئذٍ إلى تقدير مضاف أي عذاب يومئذٍ أم لا؟ فيه خلاف فقيل : لا بد منه لأن الظرف غير التام أي المقطوع عن الإضافة كقبل وبعد لا يقام مقام الفاعل إلا بتقدير مضاف و﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ له حكمه.
وفي "الدر المصون" لا حاجة إليه لأن التنوين لكون عوضاً يجعل في قوة المذكور خلافاً للأخفش.
وذكر الأجهوري أن التنوين هنا عوض عن جملة محذوفة يتضمنها الكلام السابق والأصل يوم إذ يكون الجزاء ونحو ذلك، والجملة مستأنفة مؤكدة لتهويل العذاب ؛ وجوز أن تكون صفة ﴿ عَذَابِ ﴾.
وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وأبو بكر عن عاصم ﴿ مَّن يُصْرَفْ ﴾ على أن الضمير فيه لله تعالى.


الصفحة التالية
Icon