وقرأ أبي ﴿ مَّن يُصْرَفْ الله ﴾ بإظهار الفاعل والمفعول به محذوف أي العذاب أو ﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ بحذف المضاف أو يجعل اليوم عبارة عما يقع فيه، و﴿ مِنْ ﴾ في هذه القراءة أيضاً مبتدأ.
وجوز أبو البقاء أن تجعل في موضع نصب بفعل محذوف تقديره من يكرم يصرف الله العذاب عنه فجعل يصرف تفسيراً للمحذوف، وأن يجعل منصوباً بيصرف ويجعل ضمير ﴿ عَنْهُ ﴾ للعذاب أي أي إنسان يصرف الله تعالى عنه العذاب.
﴿ فَقَدْ رَحِمَهُ ﴾ أي الرحمة العظمى وهي النجاة كقولك : إن أطعمت زيداً من جوعة فقد أحسنت إليه تريد فقد أتممت الإحسان إليه، وعلى هذا يكون الكلام من قبيل من أدرك مرعى الصمان فقد أدرك و" من كانت هجرته إلى الله تعالى " الخبر، ومن قبيل صرف المطلق إلى الكامل، وقيل : المراد فقد أدخله الجنة فذكر الملزوم وأريد اللازم لأن إدخال الجنة من لوازم الرحمة إذ هي دار الثواب اللازم لترك العذاب.
ونقض بأصحاب الأعراف، وأجيب بأن قوله تعالى :﴿ وَذَلِكَ الفوز المبين ﴾ حال مقيدة لما قبله، والفوز المبين إنما هو بدخول الجنة لقوله تعالى :﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ ﴾ ( آل عمران ؛ ١٨٥ ) وأنت تعلم أنه إذا قلنا : إن الأعراف جبل في الجنة عليه خواص المؤمنين كما هو أحد الأقوال لا يرد النقض، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك، وما ذكر من الجواب مبني على ما لا يخفى بعده، والداعي إلى التأويل اتحاد الشرط والجزاء الممتنع عندهم.
وقال بعض الكاملين : إن ما في النظم الجليل نظير قوله ﷺ :" لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه " يعني بالشراء المذكور، وإن اختلاف العنوان يكفي في صحة الترتيب والتعقيب، ولك أن تقول : إن الرحمة سبب للصرف سابق عليه على ما تلوح إليه صيغة الماضي والمستقبل والترتيب باعتبار الإخبار.


الصفحة التالية
Icon