قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان نزول هذه الآيات الماضية في الفتح الأعظم حين قصد النبي ـ ﷺ ـ سنة ثمان المسير بجنود الله إلى مكة المشرفة - شرفها الله تعالى - لدخولها عليهم بالسيف حين نقضوا بقتالهم لخزاعة الذي كانوا قد تحيزوا إلى النبي ـ ﷺ ـ فكانوا في عقده وعهده في صلح الحديبية الذي كان سنة ست على وضع الحرب بينهم وبين النبي ـ ﷺ ـ ومن دخل في عقده، وكان من ذلك الصلح أن من جاء إلى النبي ـ ﷺ ـ من قريش ومن دخل في صلحهم رده إليهم وإن كان مسلماً، ومن جاءهم من كان مع النبي ـ ﷺ ـ لم يردوه إليه بحيث قام من ذلك وقعد كثير من الصحابة ـ رضى الله عنه ـ من أعظمهم عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ حتى سكنه الصديق رضي الله تعالى عنه بما وقر في صدره من الحكم، ورد إليهم ـ ﷺ ـ أبا بصير ـ رضى الله عنه ـ، وكان رده إليهم للوفاء بالعهد بسبب التصديق لقوله ـ ﷺ ـ " أما من جاءنا منهم فرددناه إليهم فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً " وقصته في ذلك كله مشهورة، وكانت " من " من صيغ العموم، وكانت دلالة العام قطعية في الحكم على الأفراد ظنية - كما قال الشافعي رضي الله تعالى عنه - في الدلالة على الجزئي من تلك الأفراد بخصوصه حيث لا قرينة لأن تلك الصيغ ترد تارة على عمومها وتارة يراد بها بعض الأفراد فتكون من العام الذي أريد به الخصوص، وتارة يقع فيها التخصيص، فتكون من العام الذي أريد به الخصوص فطرقها الاحتمال فاحتاج ما دلت عليه من الظاهر إلى قرينة، وكان دخول النساء تحت لفظ " من " في صلح الحديبية أما عرباً عن القرينة أو أن القرينة القتال الذي وقع الصلح عليه بسببه صارفة عنه، وكذا قرينة التعبير عنهن ب " ما " دون " من " في كثير من الكتاب العزيز


الصفحة التالية
Icon