قوله تعالى ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠) وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما قدم سبحانه في هذه السورة أن له التصرف التام في عالم الخلق بالأجسام المرئية وفي عالم الأمر بالأرواح الحسية والمعنوية القائمة بالأبدان والمدبرة للأديان، وغير ذلك من بديع الشأن، فقال في افتتاح السورة ﴿كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك﴾ وأتبعه أشكاله إلى أن قال ﴿أم يقولون افترى على الله كذباً فإن يشأ الله يختم على قلبك﴾ الآية ﴿فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفكسم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً﴾ - الآية ﴿له مقاليد السماوات والأرض﴾ ﴿الله لطيف بعباده يرزق من يشاء﴾ ﴿من كان يريد حرث الآخرة﴾ - الاية، ﴿ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض﴾، ﴿ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام﴾ - الآية إلى أن ذكر أحوال الآخرة في قوله ﴿وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون﴾ - الآيات، وختم بتصرفه المطلق في الإنسان من إنعام وانتقام، وما له من الطبع المعوج مع ما وهبه له من العقل المقيم في أحسن تقويم، فدل ذلك على أن له التصرف التام ملكاً وملكوتاً خلقاً وأمراً، أتبعه الدليل على أن تصرفه ذلك على سبيل الملك والقهر إيجاداً وإعداماً إهانة وإكراماً، فقال صارفاً القول عن أسلوب العظمة التي من حقها دوام الخضوع وإهلاك الجبابرة إلى أعظم منها بذكر الاسم الأعظم الجامع لمظهر العظمة ومقام اللطف والإحسان والرحمة نتيجة لكل ما مضى :﴿لله﴾ أي الملك الأعظم وحده لا شريك له ﴿ملك السماوات﴾ كلها على علوها وارتفاعها وتطابقها وكبرها وعظمها وتباعد أقطارها ﴿والأرض﴾ جميعها على تباينها وتكاثفها واختلاف أقطارها وسكانها واتساعها.
ولما أخبر بانفراده بالملك، دل عليه بقوله تعالى :﴿يخلق﴾ أي على سبيل التجدد والاستمرار ﴿ما يشاء﴾ أي وإن كان على غير اختيار العباد، ثم دل على ذلك بما يشاهد من حال الناس فانه لما استوى البشر في الإنسانية والنكاح الذي هو سبب الولادة اختلفت أصناف أولادهم.