قوله تعالى ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أمرهم بالامتياز أمراً إرادياً حكمياً، فامتازوا في الحال، وأسروا الندامة وسقط في أيديهم فعضوا الأنامل، وصروا بالأسنان، وشخصت منهم الأبصار، وكلحت الوجوه، وتقلصت الشفاه، ونكست الرؤوس وشحبت الألوان، وسحبوا على الوجوه، وكان من فنون المساءة وشؤون الحسرة ما تعجز عنه العقول، وتذوب من ذكره النفوس، وتنخلع القلوب، قال سبحانه موبخاً لهم في تلك الحال بهذا المقال معللاً حكمه عليهم بذلك بأنه لم يتركهم هملاً بل ركب فيهم من العقول ونصب لهم من الدلائل على كماله ما هو كافٍ لهم في النجاة ثم ما وكلهم إلى ذلك، بل أرسل إليهم رسلاً وأنزل عليهم كتباً :﴿ألم أعهد﴾ أي أوصيكم إيصاء عظيماً بما نصبت من الأدلة، ومنحت من العقول، وبعثت من الرسل، وأنزلت من الكتب، في بيان الطريق الموصل إلى النجاة، لافتاً القول عن مظهر الإحسان إلى ما هو أولى به من مظهر التكلم بالوحدة دفعاً للبس، ثم أشار إلى علوه وجلاله، وعظمه وسمو كماله فقال :﴿إليكم ﴾.


الصفحة التالية
Icon