قوله تعالى ﴿ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان كأنه قيل : ماذا قال له؟ قيل :﴿قال﴾ في جواب ما ذكر لنفسه في هذا السياق من القوة والاقتدار وأبان عنه من الكبر والافتخار ما دل على أنه من أهل الصغار، لا يقدر على شيء إلا بإقرار العزيز الجبار، مصرحاً بما أريد من الهبوط الذي ربما حمل على النزول من موضع من الجنة عال إلى مكان منها أحط منه ﴿اخرج منها﴾ أي الجنة ﴿مذءوماً﴾ أي محقوراً مخزياً بما تفعل، قال القطاع : ذأمت الرجل : خزيته، وقال ابن فارس : ذأمته، أي حقرته ﴿مدحوراً﴾ أي مبعداً مطروداً عن كل ما لا أريده.
ولما علم بعض حاله، تشوفت النفس إلى حال من تبعه، فقال مقسماً مؤكداً بما يحق له من القدرة التامة والعظمة الكاملة :﴿لمن تبعك منهم﴾ أي بني آدم، وأجاب القسم بما أغنى عن جواب الشرط فقال :﴿لأملأن جهنم منكم﴾ أي منك ومن قبيلك ومنهم ﴿أجمعين﴾ أي لا يفوتني منكم أحد، فلم يزل من فعل ذلك منكم على أذى نفسه ولا أبالي أنا بشيء. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ١٥﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أن إبليس لما وعد بالإفساد الذي ذكره، خاطبه الله تعالى بما يدل على الزجر والإهانة فقال :﴿أَخْرُجْ مِنْهَا﴾ من الجنة أو من السماء ﴿مذءُوماً﴾ قال الليث : ذأمت الرجل فهو مذؤم أي محقور والذام الاحتقار، وقال الفراء : ذأمته إذا عبته يقولون في المثل لا تعدم الحسناء ذاماً.
وقال ابن الأنباري المذؤم المذموم قال ابن قتيبة مذؤماً مذموماً بأبلغ الذم قال أمية :
وقال لإبليس رب العباد.. أن اخرج دحيراً لعيناً ذؤما
وقوله :﴿مَذْمُومًا مَّدْحُورًا﴾ الدحر في اللغة الطرد والتبعيد، يقال دحره دحراً ودحوراً إذا طرده وبعده ومنه قوله تعالى :﴿وَيُقْذَفُونَ مِن كُلّ جَانِبٍ دُحُوراً﴾ [ الصافات : ٨، ٩ ] وقال أمية :
وبإذنه سجدوا لآدم كلهم.. إلا لعيناً خاطئاً مدحوراً


الصفحة التالية
Icon