قوله تعالى :﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٥٧) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما قرر ذلك وأرشد السياق إلى شيء اقتضت البلاغة طيه إرشاداً إلى البعد منه والهرب عنه لبشاعته وسوء مغبته وهو ومن يؤمن بالطاغوت ويكفر بالله فلا يتمسك له والله يهويه إلى الجحيم،
كأنه قيل : فمن يخلص النفس من ظلمات الهوى والشهوة ووساوس الشيطان ؟ فقال مستأنفاً :﴿الله﴾ أي بما له من العظمة والأسماء الحسنى ﴿ولي الذين آمنوا﴾ أي يتولى مصالحهم،
ولذلك بين ولايته بقوله :﴿يخرجهم من الظلمات﴾ أي المعنوية جمع ظلمة وهو ما يطمس الباديات حساً أو معنى،
وجمعها لأن طرق الضلال كثيرة فإن الكفر أنواع ﴿إلى النور﴾ أي المعنوي وهو ما يظهر الباديات حساً أو معنىً - قاله الحرالي،
ووحده لأن الصراط المستقيم واحد ﴿ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله﴾ [ الأنعام : ١٥٣ ] ومن المحامل الحسنة أن يشار بالجمع إلى ما ينشأ من الجهل عن المشاعر التي أخبر بالختم عليها،
فصار البصر عرياً عن الاعتبار،
والسمع خالياً عن الفهم والاستبصار،
والقلب معرضاً عن التدبر والافتكار،
وبالوحدة في النور إلى صلاح القلب فإنه كفيل بجلب كل سار ودفع كل ضار،
والنور الذي هو العقل والفطرة الأولى ذو جهة واحدة وهي القوم،
والظلمة الناشئة عن النفس ذات جهات هي في غاية الاختلاف.
ولما ذكر عبّاده الخلص ذكر عُبّاد الشهوات فقال :﴿والذين كفروا﴾ أي ستروا ما دلت عليه أدلة العقول أولاً والنقول ثانياً بشهوات النفوس ﴿أولياؤهم الطاغوت﴾ من شهواتهم وما أدت إليه من اتباع كل ما أطغى من الشياطين والعكوف على الأصنام وغير ذلك،