قوله تعالى :﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٥٣)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكر علة الصرف والعفو عنه صوّره فقال :﴿إذ﴾ أي صرفكم وعفا عنكم حين ﴿تصعدون﴾ أي تزيلون الصعود فتنحدرون نحو المدينة، أو تذهبون في الأرض لتبعدوا عن محل الوقعة خوفاً من القتل ﴿ولا تلوون﴾ أي تعطفون ﴿على أحد﴾ أي من قريب ولا بعيد ﴿والرسول﴾ أي الذي أرسل إليكم لتجيبوه إلى كل ما يدعوكم إليه وهو الكامل في الرسلية ﴿يدعوكم في أخراكم﴾ أي ساقتكم وجماعتكم الأخرى، وأنتم مدبرون وهو ثابت في مكانه في نحر العدو في نفر يسير لا يبلغون أربعين نفساً على اختلاف الروايات - وثوقاً بوعد الله ومراقبة له يقول كلما مرت عليه جماعة منهزمة :" إليّ عباد الله! أنا رسول الله! إليّ إليّ عباد الله " كما هو اللائق بمنصبه الشريف من الاعتماد على الله والوثوق بما عنده وعد من دونه من ولي وعدو عدماً ؛ وإنما قلت : إن معنى ذلك الانهزام، لأن الدعاء يراد منه الإقبال على الداعي بعد الانصراف عما يريده ليأمر وينهى، فعلم بذلك أنهم مولون عن المقصود وهو القتال، وفي التفسير من البخاري عن البراء رضي الله تعالى عنه قال : جعل النبي ﷺ على الرجالة يوم أحد عبد الله بن جبير رضي الله تعالى عنه وأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم، ولم يبق مع النبي ﷺ غير اثني عشر رجلاً.
ولما تسبب عن العفو ردهم عن الهزيمة إلى القتال قال تعالى :﴿فأثابكم﴾ أي جعل لكم ربكم ثواباً ﴿غماً﴾ أي باعتقادكم قتل الرسول صلى الله عليه وسلم.


الصفحة التالية