قوله تعالى ﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (٥٥) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما لم تكن عادته مواجهة أحد بما يكره، استأنف الإخبار عنهم بما يدل عليه فقال :﴿قالوا﴾ ظناً منهم أنه لم يقل ذلك على ظاهره :﴿أجئتنا﴾ في هذا الكلام ﴿بالحق﴾ الذي يطابقه الواقع ﴿أم أنت من اللاعبين﴾ فظاهر كلامك غير حق ﴿قال﴾ بانياً على ما تقديره : ليس كلامي لعباً، بل هو جد، وهذه التماثيل ليست أرباباً ﴿بل ربكم﴾ الذي يستحق منكم اختصاصه بالعبادة ﴿رب السماوات والأرض﴾ أي مدبرهن القائم بمصالحهن ﴿الذي فطرهن﴾ أي أوجدهما وشق بهما ظلمة العدم، وأنتم وتماثيلكم مما فيهما من مصنوعاته أنتم تشهدون بذلك إذا رجعتم إلى عقولكم مجردة عن الهوى ﴿وأنا على ذلكم﴾ الأمر البين من أنه ربكم وحده فلا تجوز عبادة غيره ﴿من الشاهدين﴾ أي الذين يقدرون على إقامة الدليل على ما يشهدون به لأنهم لم يشهدوا إلا على ما هو عندهم مثل الشمس، لا كما فعلتم أنتم حين اضطركم السؤال إلى الضلال.
ولما أقام البرهان على إثبات الإله الحق، أتبعه البرهان على إبطال الباطل فقال :﴿وتالله﴾ وهو القسم، والأصل في القسم الباء الموحدة، والواو بدل منها، والتاء بدل من الواو، وفيها - مع كونها بدلاً - زيادة على التأكيد بالتعجب : قال الأصبهاني : كأنه تعجب من تسهل الكيد على يده - انتهى.
وفيها أيضاً أنها تدل على رجوع التسبب باطناً، فكأنها إشارة إلى أنه بعد أن تسبب في ردهم عن عبادتها ظاهراً بما خاطبهم به، تسبب من ذلك ثانياً باطناً بإفسادها ﴿لأكيدن﴾ أكد لأنه مما ينكر لشدة عسره ؛ والكيد : الاحتيال في الضرر ﴿أصنامكم﴾ أي هذه التي عكفتم عليها ناسين الذي خلقكم وإياها، أي لأفعلن بها ما يسوءكم بضرب من الحيلة.