ولما كان عزمه على إيقاع الكيد في جميع الزمان الذي يقع فيه توليهم في أيّ جزء تيسر له منه، أسقط الجارّ فقال :﴿بعد أن تولوا﴾ أي توقعوا التولي عنها، وحقق مراده بقوله :﴿مدبرين﴾ لأنزلكم من الدليل العقلي على تحقيق الحق إذ لم تكونوا من أهله إلى الدليل الحسي على إبطال الباطل.
ولما كانوا في غاية التعظيم لأصنامهم لرسوخ أقدامهم في الجهل، لم يقع في أوهامهم قط أن إبراهيم عليه السلام يقدم على ما قال، وعلى تقدير إقدامه الذي هو عندهم من قبيل المحال لا يقدر على ذلك، فتولوا إلى عيدهم، وقصد هو ما كان عزم عليه فشمر في إنجازه تشميراً يليق بتعليقه اليمين بالاسم الأعظم ﴿فجعلهم﴾ أي عقب توليهم ﴿جذاذاً﴾ قطعاً مهشمة مكسرة مفتتة، من الجذ وهو القطع ﴿إلا كبيراً﴾ واحداً ﴿لهم﴾ أي للأصنام أو لعبادها فإنه لم يكسر وجعل الفأس معه ﴿لعلهم﴾ أي أهل الضلال ﴿إليه﴾ وحده ﴿يرجعون﴾ عند إلزامه لهم بالسؤال فتقوم عليهم الحجة، إذ لو ترك غيره معه لربما زعموا أن كلاًّ يكل الكلام إلى الآخر عند السؤال لغرض من الأغراض. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ٩١ ـ ٩٢﴾