فصل


قال الفخر :
﴿ قالوا أَجِئْتَنَا بالحق أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين﴾.
موهمين بهذا الكلام أنه يبعد أن يقدم على الإنكار عليهم جاداً في ذلك فعنده عدل ﷺ إلى بيان التوحيد.
﴿ قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦) ﴾
اعلم أن القوم لما أوهموا أنه يمازح بما خاطبهم به في أصنامهم أظهر عليه السلام ما يعلمون به أنه مجد في إظهار الحق الذي هو التوحيد وذلك بالقول أولاً وبالفعل ثانياً، أما الطريقة القولية فهي قوله :﴿بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السموات والأرض الذي فطَرَهُنَّ﴾ وهذه الدلالة تدل على أن الخالق الذي خلقهما لمنافع العباد هو الذي يحسن أن يعبد لأن من يقدر على ذلك يقدر على أن يضر وينفع في الدار الآخرة بالعقاب والثواب.
فيرجع حاصل هذه الطريقة إلى الطريقة التي ذكرها لأبيه في قوله :﴿ياأبت لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً﴾ [ مريم : ٤٢ ] قال صاحب "الكشاف" : الضمير في فطرهن للسموات والأرض أو للتماثيل، وكونه للتماثيل أدخل في الاحتجاج عليهم.
أما قوله :﴿وَأَنَاْ على ذلكم مّنَ الشاهدين﴾ ففيه وجهان : الأول : أن المقصود منه المبالغة في التأكيد والتحقيق كقول الرجل إذا بالغ في مدح أحد أو ذمه أشهد أنه كريم أو ذميم.
والثاني : أنه عليه السلام عنى بقوله :﴿وَأَنَاْ على ذلكم مّنَ الشاهدين﴾ ادعاء أنه قادر على إثبات ما ذكره بالحجة، وأني لست مثلكم فأقول ما لا أقدر على إثباته بالحجة، كما لم تقدروا على الاحتجاج لمذهبكم ولم تزيدوا على أنكم وجدتم عليه آباءكم، وأما الطريقة الفعلية فهي قوله :﴿وتالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ﴾ فإن القوم لما لم ينتفعوا بالدلالة العقلية عدل إلى أن أراهم عدم الفائدة في عبادتها، وفيه مسائل :
المسألة الأولى :


الصفحة التالية
Icon