قوله تعالى ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (٧٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أتى بالدليل العام على إجرمهم، أتبعه الدليل الخاص عليه وهو أيضاً دليل على دليل فقال :﴿يحلفون بالله﴾ أي الملك الأعلى الذي لا شيء أعظم منه قدراً ﴿ما قالوا﴾ أي ما وقع منهم قول، فقصر الفعل تعميماً للمفعول إعلاماً بأنهم مهما عنفوا على قول كائناً ما كان بادروا إلى الحلف على نفيه كذباً لأنهم مردوا على النفاق فتطبعوا بأعلى الكذب ومرنوا على سيىء الأخلاق، فصار حاصل هذا أنهم أطعموا في العفو وحذروا من عذاب الباقين بسبب إجرامهم لأنهم يأمرون بالمنكر وما يلائمه مقتفين آثار من قبلهم في الانهماك في الشهوات غير مقلعين خوفاً من الله أن يصيبهم بمثل ما أصابهم ولا رجاء له أن ينيلهم مما أعد للمؤمنين مجترئين على الأيمان الباطلة بأعظم الحلف على أيّ شيء فرض سواء كان يستحق اليمين أو لا غير خائفين من الله أن يهتكهم كما هتك غيرهم ممن فعل مثل أفعالهم ؛ ثم دل على عظيم إجرامهم وما تضمنه قوله ﴿المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض﴾ - الآية، من كبائر آثامهم، ويجوز أن تكون هذه الاية واقعة موقع التعليل للآية التي قبلها بأنهم يقدمون على ما يستحقون به الجهاد والغلظة والنار من الحلف كذباً على نفي كل ما ينقل عنهم استخفافاً بالله وبأسمائه ﴿اتخذوا أيمانهم جنة﴾ [ المجادلة : ٦ ] فتكون جواباً لمن كأنه قال : أما جهاد الكفار فالأمر فيه واضح، وأما المنافقون فكيف يجاهدون وهم يتكلون بلفظ الإيمان ويظهرون أفعال أهل الإسلام فقال : لأنهم يحلفون ﴿ولقد﴾ أي والحال أنهم كاذبون لقد ﴿قالوا كلمة الكفر﴾ أي الذي لا أكبر في الكفر منه، وهي تكذيب النبي ـ ﷺ ـ.


الصفحة التالية
Icon