قوله تعالى ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (٥١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان الاستعجال بالأفعال لا يطلب من الرسول، وكان الإخبار باستهزائهم وشدة عماهم ربما أفهم الإذن في الإعراض عنهم أصلاً ورأساً قال سبحانه وتعالى مزيلاً لذلك منبهاً على أن مثله إنما يطلب من المرسل، لا من الرسول :﴿قل﴾ أي لهم، ولا يصدنك عن دعائهم ما أخبرناك به من عماهم ﴿يا أيها الناس﴾ أي جميعاً من قومي وغيرهم ﴿إنما أنا لكم نذير﴾ أي وبشير، وإنما طواه لأن المقام للتخويف، ويلزم منه الأمن للمنتهى فتأتي البشارة، ولأن النذارة هي المقصود الأعظم من الدعوة، لأنه لا يقدم عليها إلا المؤيدون بروح من الله ﴿مبين﴾ أي لكل ما ينفعكم لتلزموه.
ويضركم فتتركوه لا إله، أعجل لكم العذاب ؛ ثم تسبب عن كونه مبيناً العلم بأن وصف البشارة مراد وإن طوي، فدل عليه سبحانه بقوله تفضيلاً لأهل البشارة والنذارة :﴿فالذين آمنوا﴾ أي أقروا بالإيمان ﴿وعملوا﴾ أي تصديقاً لدعواهم ذلك ﴿الصالحات لهم مغفرة﴾ لما فرط منهم من التقصير لأنه لن يقد أحد أن يقدر الله حق قدره.
ولما كان هذا أول الإذن في القتال، الموجب لمنابذة الكفار، ومهاجرة الأهل والأموال والديار، وكان ذلك - مع كونه في غاية الشدة - موجباً للفقر عادة، قال محققاً له ومنبهاً على أنه سبب الرزق :﴿ورزق﴾ أي في الدنيا بالغنائم وغيرها، والآخرة بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ﴿كريم﴾ لا خسة فيه ولا دناءة بانقطاع ولا غيره أصلاً ما داموا على الاتصاف بذلك، هذا فعل ربهم بهم عكس ما وصف به مدعو الكفار من أن ضره أقرب من نفعه.


الصفحة التالية
Icon