قوله تعالى ﴿ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٥٥) هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦) ﴾
مناسبة الآيتين لما قبلهما
قال البقاعى :
ولما كان السبب الحامل لملوك الدنيا على الكذب والجور والظلم العجز أو طلب التزيد في الملك، أشار إلى تنزهه عن ذلك بقوله مؤكداً سوقاً لهم مساق المنكر لأن فعلهم في عبادة الأصنام فعل من ينكر مضمون الكلام :﴿ألا إن لله﴾ أي الملك الأعظم وحده ﴿ما في السماوات﴾ بدأ بها لعلوها معنى وحساً وعظمتها ؛ ولما كان المقام للغنى عن الظلم لم يحوج الحال إلى تأكيد بإعادة النافي فقال :﴿والأرض﴾ أي من جوهر وعرض صامت وناطق، فلا شيء خارج عن ملك يحوجه إلى ظلم أو إخلاف وعد لحيازته، والحاصل أنه لا يظلم إلا ناقص الملك وأما من له الملك كله فهو الحكم العدل : لأن جميع الأشياء بالنسبة إليه على حد سواء، ولا يخلف الوعد إلا ناقص القدرة وأما من له كل شيء ولا يخرج عن قبضته شيء فهو المحق في الوعد العدل في الحكم، وفي الآية زيادة تحسير وتنديم للنفس الظالمة حيث أخبرت بأن ما تود أن تفتدي به ليس لها منه شيء ولا تقدر على التوصل إليه، ولو قدرت ما قبل منها، وإنما هو لمن رضي منها بالقليل منه فضلاً منه عليها على ما أمر به على لسان رسله، وعلى هذا فيجوز أن يكون التقدير : لو أن لها ذلك لافتدت به، لكنه ليس لها بل لله ؛ فلما ثبت بذلك حكمه بالعدل وتنزهه عن إخلاف الوعد.


الصفحة التالية
Icon