قوله تعالى ﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كانت ترجمة ما مضى : ثم هم يعدلون بربهم غيرَه ويكذبونك فيما جئت به من الحق مع ما أوضحت عليه من الحجج ونصبت من الدلائل، وكان ﷺ شديد الحرص على إيمانهم، كان المقام يقتضي أن يقول لسان الحال : أنزل عليهم يا رب ما ينتقلون به من النظر بالفكر إلى العيان كما اقترحوا عليّ، فأخبره أنهم لا يؤمنون بذلك، بقوله عطفاً على ﴿وما تأتيهم من آية﴾ تحقيقاً له وتصويراً في جريته :﴿ولو نزلنا﴾ أي على ما لنا من العظمة ﴿عليك كتاباً﴾ أي مكتوباً من السماء ﴿في قرطاس﴾ أي ورق، إجابة لما أشار عليهم اليهود باقتراحه، ثم حقق أنه واضح الأمر، ليس بخيال ولا فيه نوع لبس بقوله :﴿فلمسوه﴾ أي زيادة على الرؤية.
وزاد في التحقيق والتصوير ودفع التجوز بقوله :﴿بأيديهم لقال﴾ وأظهر ولم يضمر تعليقاً للحكم بالوصف وتنبيهاً على أن من الموجودين من يسكت ويؤمن ولو بعد ذلك فقال :﴿الذين كفروا﴾ أي حكماً بتأبد كفرهم ستراً للآيات عناداً ومكابرة، ولعله أسقطُ منهم إشارة إلى عموم دعوته، أي من العرب ومن غيرهم من أمة دعوتك ولا سيما اليهود المشار إلى تعنتهم وكذبهم بقوله ﴿يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء﴾ [ النساء : ١٥٣ ] ﴿إن﴾ أي ما ﴿هذا إلاّ سحر﴾ أي تمويه وخيال لا حقيقة له، وزادوا في الوقاحة فقالوا :﴿مبين﴾ أي واضح ظاهر، قال صاحب كتاب الزينة : معنى السحر في كلام العرب التعليل بالشيء والمدافعة به والتعزير بشيء لا محصول له، يقال : سحره - إذا علله وعزره وشبه عليه حتى لا يدري من أين يتوجه ويقلب عن وجهه، فكأن السحرة يعللون الناس بالباطل ويشبهون الباطل في صورة الحق ويقلبونه عن جهته. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥٩١﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أن الذين يتمردون عن قبول دعوة الأنبياء طوائف كثيرة، فالطائفة الأولى الذين بالغوا في حب الدنيا وطلب لذاتها وشهواتها إلى أن استغرقوا فيها واغتنموا وجدانها، فصار ذلك مانعاً لهم عن قبول دعوة الأنبياء، وهم الذين ذكرهم الله تعالى في الآية المتقدمة وبين أن لذات الدنيا ذاهبة وعذاب الكفر باق، وليس من العقل تحممل العقاب الدائم لأجل اللذات المنقرضة الخسيسة، والطائفة الثانية الذين يحملون معجزات الأنبياء عليهم السلام، على أنها من باب السحر لا من باب المعجزة، هؤلاء الذين ذكرهم الله تعالى في هذه الآية. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٣٢ ـ ١٣٣﴾
وقال السمرقندى :
﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كتابا فِى قِرْطَاسٍ ﴾ ذلك أن النضر بن الحارث وعبد الله بن أمية وغيرهما قالوا لرسول الله ﷺ : لن نؤمن لك حتى تنزل علينا كتاباً من السماء.