قوله تعالى ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تواترت النواهي للمتخلفين وتواصلت الزواجر وتعاظم التبكيت والتهديد، طارت القلوب وأشفقت النفوس، فكان ذلك مظنة أن لا يتخلف بعدها أحد عن رسول الله ـ ﷺ ـ وعمن يقوم مقامه فيتمكن حينئذ الأعداء من الأموال والذراري والعيال، فأتبع ذلك قوله تعالى :﴿وما كان المؤمنون﴾ أي الذين حثهم على النَّفر الرسوخ في الإيمان ﴿لينفروا كآفة﴾ أي جميعاً فإن ذلك بخل بكثير من الأغراض الصالحة، وهو تعليم لما هو الأنسب بالدين والدنيا من انقسام الناس قسمين : قسماً للجهاد، وقسماً للنفقة وحفظ الأموال والأولاد، كل ذلك بأمره عليه الصلاة والسلام والعمل بما يرضاه، ولا يخفى ذلك على المخلص، ولعل التعبير بالفعل الماضي في قوله مسبباً عما قبله :﴿فلولا نفر﴾ ليفهم تبكيت من قصد تبكيته من المتخلفين في جميع هذه السورة بأنه كان عليهم أن ينفر مع النبي ـ ﷺ ـ ﴿من كل فرقة﴾ أي ناس كثير يسهل افتراقهم، قالوا : وهو اسم يقع على ثلاثة ﴿منهم طائفة﴾ أي ناس لا ينفكون حافين بالنبي ـ ﷺ ـ يلزمونه، قيل : والطائفة واحد واثنان، فالآية حجة على قبول خبر الواحد ووجوب العمل به، وكأنه عبر به للإشارة إلى الحث على كثرة النافرين كما هو أصل مدلولها الأغلب فيه ﴿ليتفقهوا﴾ أي ليكلف النافرون أنفسهم الفهم منه ـ ﷺ ـ شيئاً فشيئاً ﴿في الدين﴾ أي بما يسمعونه من أقواله ويرونه من جميل أفعاله ويصل إلى قلوبهم من مستنير أحواله، وهذا غاية الشرف للعلم حيث جعل غاية الملازمة له ـ ﷺ ـ للجهاد، هذا إن كان هو ـ ﷺ ـ النافر في تلك الغزاة، وإن كان غيره كان ضمير ﴿يتفقهوا﴾ للباقين معه ـ ﷺ ـ.