قوله تعالى ﴿ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (٨٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان العرب أبعد الناس من مطلق الكذب وأشدهم له تحامياً ومنه نفرة فكيف بالكذب على الأكابر فكيف به على الملوك فيكف به على ملك الملوك! علق الكذب على الله تعالى بالعود إلى ملتهم بقوله مستأنفاً الإخبار لمن تشوف إلى علم ما كان منه بعد هذا الكلام اللين وتوقع غيره :﴿قد افترينا﴾ أي تعمدنا الآن بما نقوله لكم، أي من أن الله حرم الكفر والإقرار عليه ﴿على الله﴾ أي الذي له جميع العظمة ﴿كذباً﴾ ويجوز أن يكون تنوينه للتعظيم، ويجوز أن يكون للتحقير، ولكل وجه يدعو إليه المقام لا يخفى ﴿إن عدنا﴾ أي ساعة من الدهر ﴿في ملتكم﴾ أي بسكوتنا أو بسكوتي وكفر من كان ممن تبعني كافراً ﴿بعد إذ نجانا الله﴾ أي الملك الأعلى خارقاً للعادة بما كنا جديرين بالانغماس فيه متابعة للآباء والأجداد والعشيرة بما له من القدرة والعظمة ﴿منها﴾ أي إن فعلنا ذلك فقد ارتكبنا أقبح القبائح على بصيرة منا بذلك، فهو تعليق على محال عادة، وهو من وادي قول الأشتر النخعي :
بقّيت وفري وانحرفت عن العلى...
ولقيت أضيافي بوجه عبوس
إن لم أشنَّ على ابن هند غارة...
لم تخل يوماً من نهاب نفوس
غير أن المعلق في البيت تقديري، وفي الآية تحقيقي، لأنهم أخبروهم أن الله تعالى نهى عن الكفر وأمرهم بإنذار كل كافر، فمتى تركوا ذلك لزمهم الكذب حتماً ﴿وما يكون لنا﴾ أي ما يصح وما يتفق ﴿أن نعود فيها﴾ أي ملكتم.


الصفحة التالية
Icon