قوله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٠٧) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكر الذين أقامهم في مقام الخطر أتبعه تعيين طائفة من القسم الأول المستور الموصوف بالمرود، فألحق بهم الضرر فقال :﴿والذين﴾ وهو معطوف في قراءة من أثبت الواو على قوله ﴿وآخرون﴾ وخبره على ما يليق بالقصة : منافقون ماردون، وأما على قراءة المدنيين وابن عامر بحذفها فيكون على تقدير سؤال سائل، وذلك أنه لما قال تعالى ﴿لا تعلمهم نحن نعلمهم﴾ تشوفت النفس إلى الإعلام بهم، فلما قال ﴿وآخرون اعترفوا بذنوبهم﴾ اشتغل السامع بتفهمه، وربما ظن أنه يأتي في آخر الكلام من تسميتهم ما يغنيه عن السؤال، فلما إنتقل بقوله ﴿وآخرون مرجون﴾ إلى قسم آخر، وختم الآية بصفتي العلم والحكمة ليعلم أن الترديد للتقسيم وأنه إن كان شك فهو بالنسبة إلى العباد وأما الله تعالى فمنزه عنه فذكر السامع بالصفتين ما كان دار في خلده ومال إليه قلبه من الإعلام بالماردين على النفاق، فاشتد تشوفه إليه فكان كأنه قال : منْ منَ الماردين منهم؟ فقال تعالى الذين ﴿اتخذوا مسجداً﴾ أي من الماردين وهم من أعظمهم مهارة في النفاق وإخفاء الكيد والشقاق لأنهم توصلوا إلى ذلك بأن كلفوا أنفسهم الأخذ لأعظم عرى الدين مع المنازعة للفطرة الأولى والحذر من أن يفضحوا، فكان ختام هذه الآية من بديع الختام فإن احتراس عما يتوهم فيما قلبه ودليل على ما بعده، ولذلك ختم قصتهم أيضاً بصفتي العلم والحكمة، ولاح من هذا أن قوله ﴿سنعذبهم مرتين﴾ يمكن أن يراد به : مرة برجوعك، ومرة بإخرابك مسجدهم وتفريقك لشملهم بعد هتك سرائرهم بكشف ضمائرهم، وبَيَّنَ سبحانه علة اتخاذهم بقوله :﴿ضراراً﴾ أي لأهل مسجد قباء أو لحزب الله عامة ﴿وكفراً﴾ أي بالله لاتخاذ دينه هزؤاً ﴿وتفريقاً﴾ أي مما يبيتونه من المكايد باستجلابهم لبعض من يخدعونه من المؤمنين ويطمعون فيه ليأتي مسجدهم ويترك المسجد المؤسس على التقوى ﴿بين المؤمنين﴾ أي الراسخين في الإيمان بما جاء من عند الله، لأنهم كانوا يجتمعون في