قوله تعالى ﴿ قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (١٢٦) ﴾
مناسبة الآيتين لما قبلهما
قال البقاعى :
ولما كان حالاً يشوق النفوس إلى جوابهم، استأنفه بقوله :﴿قالوا﴾ أي أجمعون، لم يرتع منهم إنسان ولا تزلزل عما منحه الله به من رتبة الإيمان ﴿إنا إلى ربنا﴾ أي الذي ما زال يحسن إلينا بنعمه الظاهرة والباطنة حتى جعل آخر ذلك أعظم النعم، لا إلى غيره ﴿منقلبون﴾ أي بالموت انقلاباً ثابتاً لا انفكاك لنا عنه إن صلبتنا أو تركتنا، لا طمع لنا في البقاء في الدنيا، فنحن لا نبالي - بعد علمنا بأنا على حالة السعداء - بالموت على أيّ حالة كان، أو المراد أنا ننقلب إذا قتلتنا إلى من يحسن إلينا بما منه الانتقام منك، ولذلك اتبعوه بقولهم :﴿وما تنقم﴾ أي تنكر ﴿منا﴾ أي فعلك ذلك بنا وتعيب علينا ﴿إلا أن آمنا﴾ أي إلا ما هو أصل المفاخر كلها وهو الإيمان ﴿بآيات ربنا﴾ أي التي عظمت بكونها صادرة عنه ولم يزل محسناً إلينا فوجب علينا شكره ﴿لما﴾ أي حين ﴿جاءتنا﴾ لم نتأخر عن معرفة الصدق المصدَّق، وهذا يوجب الإكرام لا الانتقام ؛ ثم آذنوه بأنهم مقدمون على كل ما عساه أن يفعل به فقالوا :﴿ربنا﴾ أي أيها المحسن إلينا القادر على خلاصنا ﴿أفرغ﴾ أي صب صباً غامراً ﴿علينا﴾ أي فيما تهددنا به هذا الذي قويته علينا ﴿صبراً﴾ أي كثيراً تغمرنا به كما يغمر الماء من يفرغ عليه حتى لا يروعنا ما يخوفنا به ﴿وتوفنا﴾ أي اقبض أرواحنا وافية حال كوننا ﴿مسلمين﴾ أي عريقين في الانقياد بالظاهر والباطن بدلائل الحق، والظاهر أن الله تعالى أجابهم فيما سألوه تلويحاً بذكر الرب فلم يقدره عليهم لقوله تعالى ﴿أنتما ومن اتبعكما الغالبون﴾ [ القصص : ٣٥ ] ولم يات في خبر يعتمد أنه قتلهم، وسيأتي في آخر الحديد، عن تاريخ ابن عبد الحكم ما هو صريح في خلاصهم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٨٥ ـ ٨٦﴾
فصل
قال الفخر :