قوله تعالى ﴿ هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (٤٩) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (٥٠) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (٥١) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (٥٢) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (٥٣) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (٥٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أتم سبحانه ما أراد من ذكر هؤلاء الأصفياء عليهم السلام الذين عافاهم بصبرهم وعافى من دعوهم، فجعلهم سبحانه سبب الفلاح ولم يجعلهم سبباً للهلاك، قال مؤكداً لشرفهم وشرف ما ذكروا به، حاثاً على إدامة تذكره وتأمله وتدبره للعمل به، مبيناً ما لهم في الآخرة على ما ذكر من أعمالهم وما لمن نكب عن طريقهم على سبيل التفصيل :﴿هذا﴾ أي ما تلوناه عليك من أمورهم وأمور غيرهم ﴿ذكر﴾ أي شرف في الدنيا وموعظة من ذكر القرآن ذي الذكر، ثم عطف على قوله ﴿إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد﴾ ما لأضدادهم، فقال مؤكداً رداً على من ينكر ذلك من كفار العرب وغيرهم :﴿وإن﴾ ويجوز - وهو أحسن - أن يكون معطوفاً على " هذا " وتقديره : هذا ذكر للصابرين.
ولما أداهم إليه صبرهم في الدنيا وأن لهم على ما وهبناهم من الأعمال الصالحة التي مجمعها الصبر لمرجعاً حسناً، ولكنه أظهر الوصف الذي أداهم إلى هذا المآب تعميماً لكل من اقتدى بهم حثاً على الاقتداء فقال :﴿للمتقين﴾ أي جميع العريقين في وصف التقوى الذين يلزمون لتقواهم الصراط المستقيم ﴿لحسن مآب﴾ أي مصير ومرجع ولما شوق سبحانه إلى هذا الجزاء أبدل منه أو بينه بقوله :﴿جنات عدن﴾ أي إقامة في استمراء وطيب عيش ونمو وامتلاء وشرف أصل.
ولما كانت من الأعلام الغالبة، نصب عنها على الحال قوله :﴿مفتحة﴾ أي تفتيحاً كثيراً وبليغاً من غير أن يعانوا في فتحها شيئاً من نصب أو طلب أو تعب، وأشار جعل هذا الوصف مفرداً أن تفتحيها على كثرتها كان لهم في آن واحد حتى كأنها باب واحد ﴿لهم﴾ أي لا لغيرهم ﴿الأبواب﴾ التي لها والتي فيها فلا يلحقهم في دخولها ذل الحجاب ولا كلفة الاستئذان، تستقبلهم الملائكة بالتبجيل والإكرام.
ولما ذكر إقامتهم ويسر دخولهم، وصف حالهم إذ ذاك فقال :﴿متكئين فيها﴾ أي ليس لهم شغل سوى النعيم ولا عليهم كلفة أصلاً.