قوله تعالى ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما دل على كونه حقاً من عند الله بعلم أهل الكتاب صريحاً وأهل اللسان تلويحاً، دل عليه بوجه آخر شهودي، وهو أنه ما قال شيئاً إلا كان على وفق ما قال، وأنه لم يستطع - ولا يستطيع أحد - منع شيء مما أخبر به ولا تعويقه ساعة من نهار ولا أقل ولا أكثر بقوله تعالى مظهراً في موضع الإضمار، لتذكيره ﷺ بما له سبحانه من الإحسان، والتنبيه على ما يريد به من التشريف والإكرام :﴿وتمت﴾ أي نفذت وتحققت ﴿كلمة ربك﴾ أي المحسن إليك المدبر لأمرك حال كونها ﴿صدقاً﴾ أي لا يقدر أحد أن يبدي في شيء منها حديثاً بتخلف ما عن مطابقة الواقع.
ولما كان الصدق غير مناف للجور، قال :﴿وعدلاً﴾ ولما كان الصدق العدل قد لا يتم معه مراد القائل، ولا ينفذ فيه كلام الآمر لمنع من هو أقوى منه، أخبر أنه لا راد لأمره ولا معقب لحكمه، تصريحاً بما أفهم مطلع الآية من التمام، وأظهر موضع الإضمار تعميماً وتبركاً وتلذيذاً فقال :﴿لا مبدل لكلماته﴾ أي من حيث إنها كلماته مطلقاً من غير تخصيص بنوع ما، بل كل ما أخبرت به فهو كائن لا محالة، رضي من رضي وسخط من سخط.
ولما كان المغير لشيء إنما يتم له ما يريد من التغيير بكون المغير عليه لا يعلم الأسباب المنجحة لما أراد ليحكمها، والموانع العائقة ليبطلها، قال عاطفاً على ما تقديره : فهو العزيز الحكيم :﴿وهو﴾ أي لا غيره ﴿السميع﴾ أي البالغ السمع لجميع ما يمكن سمعه من الأقوال والأفعال ﴿العليم﴾ أي البالغ العلم لجميع ذلك، فهو إذن الكامل القدرة النافذ الأمر في جميع الأسباب والموانع، فلا يدع أحداً يغير شيئاً منها وإن دلس أو شبه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٦٩٩ ـ ٧٠٠﴾

فصل


قال الفخر :
قرأ عاصم وحمزة والكسائي :﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ﴾ بغير ألف على الواحد، والباقون ﴿كلمات﴾ على الجمع، قال أهل المعاني، الكلمة والكلمات، معناهما ما جاء من وعد ووعيد وثواب وعقاب، فلا تبديل فيه ولا تغيير له كما قال :﴿مَا يُبَدَّلُ القول لَدَىَّ﴾ [ ق : ٢٩ ] فمن قرأ ﴿كلمات﴾ بالجمع قال : لأن معناها الجمع فوجب أن يجمع في اللفظ، ومن قرأ على الوحدة فلأنهم قالوا : الكلمة، قد يراد بها الكلمات الكثيرة إذا كانت مضبوطة بضابط واحد، كقولهم : قال زهير في كلمته : يعني قصيدته، وقال قس في كلمته، أي خطبته، فكذلك مجموع القرآن كلمة واحدة في كونه حقاً وصدقاً ومعجزاً.
فائدة :


الصفحة التالية
Icon