إن تعلق هذه الآية بما قبلها أنه تعالى بين في الآية السابقة أن القرآن معجز، فذكر في هذه الآية أنه تمت كلمة ربك، والمراد بالكلمة القرآن أي تم القرآن في كونه معجزاً دالاً على صدق محمد عليه السلام، وقوله :﴿صِدْقاً وَعَدْلاً﴾ أي تمت تماماً صدقاً وعدلاً، وقال أبو علي الفارسي :﴿صِدْقاً وَعَدْلاً﴾ مصدران ينصبان على الحال من الكلمة تقديره صادقة عادلة، فهذا وجه تعلق هذه الآية بما قبلها.
واعلم أن هذه الآية تدل على أن كلمة الله تعالى موصوفة بصفات كثيرة.
فالصفة الأولى : كونها تامة وإليه الإشارة بقوله :﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ﴾ وفي تفسير هذا التمام وجوه : الأول : ما ذكرنا أنها كافية وافية بكونها معجزة دالة على صدق محمد عليه الصلاة والسلام، والثاني : أنها كافية في بيان ما يحتاج المكلفون إليه إلى قيام القيامة عملاً وعلماً، والثالث : أن حكم الله تعالى هو الذي حصل في الأزل، ولا يحدث بعد ذلك شيء، فذلك الذي حصل في الأزل هو التمام، والزيادة عليه ممتنعة، وهذا الوجه هو المراد من قوله ﷺ :" جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة "
الصفة الثانية : من صفات كلمة الله كونها صدقاً، والدليل عليه أن الكذب نقص والنقص على الله محال، ولا يجوز إثبات أن الكذب على الله محال بالدلائل السمعية، لأن صحة الدلائل السمعية موقوفة على أن الكذب على الله محال، فلو أثبتنا امتناع الكذب على الله بالدلائل السمعية لزم الدور وهو باطل.


الصفحة التالية