واعلم أن هذا الكلام كما يدل على أن الخلف في وعد الله تعالى محال فهو أيضاً يدل على أن الخلف في وعيده محال بخلاف ما قاله الواحدي في تفسير قوله تعالى :﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا﴾ [ النساء : ٩٣ ] إن الخلف في وعيد الله جائز، وذلك لأن وعد الله ووعيده كلمة الله، فلما دلت هذه الآية على أن كلمة الله يجب كونها موصوفة بالصدق على أن الخلف كما أنه ممتنع في الوعد فكذلك ممتنع في الوعيد.
الصفة الثالثة : من صفات كلمات الله كونها عدلاً وفيه وجهان : الأول : أن كل ما حصل في القرآن نوعان، الخبر والتكليف.
أما الخبر فالمراد كل ما أخبر الله عن وجوده أو عن عدمه ويدخل فيه الخبر عن وجود ذات الله تعالى وعن حصول صفاته أعني كونه تعالى عالماً قادراً سميعاً بصيراً، ويدخل فيه الأخبار عن صفات التقديس والتنزيه كقوله :﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ [ الإخلاص : ٣ ] وكقوله :﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ] ويدخل فيه الخبر عن أقسام أفعال الله وكيفية تدبيره لملكوت السموات والأرض وعالمي الأرواح والأجسام، ويدخل فيه كل أمر عن أحكام الله تعالى في الوعد والوعيد والثواب والعقاب، ويدخل فيه الخبر عن أحوال المتقدمين، والخبر عن الغيوب المستقبلة، فكل هذه الأقسام داخلة تحت الخبر، وأما التكليف فيدخل فيه كل أمر ونهي توجه منه سبحانه على عبده سواء كان ذلك العبد ملكاً أو بشر أو جنياً أو شيطاناً وسواء كان ذلك في شرعنا أو في شرائع الأنبياء عليهم السلام المتقدمين، أو في شرائع الملائكة المقربين الذين هم سكان السموات والجنة والنار والعرش وما وراءه مما لا يعلم أحوالهم إلا الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon