قوله تعالى ﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (٥٣) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٥٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكر سبحانه ما رتب على الطاعة الظاهرة التي هي دليل الانقياد الباطن، ذكر حال المنافقين فيه، فقال عاطفاً على ﴿ويقولون﴾ لأنه ليس المراد منه إلا مجرد القول من غير إرادة تقييد بزمان معين :﴿وأقسموا﴾ وكأنه عبر بالماضي إشارة إلى أنهم لم يسمحوا به أكثر من مرة، لما يدل عليه من زيادة الخضوع والذل ﴿بالله﴾ أي الملك الذي له الكمال المطلق ؛ واستعار من جهد النفس قوله في موضع الحال :﴿جهد أيمانهم﴾ أي غاية الإقسام ﴿لئن أمرتهم﴾ أي بأمر من الأمور ﴿ليخرجن﴾ مما هم ملتبسون به من خلافه، كائناً ما كان، إلى ما أمرتهم به، وذلك أنهم كانوا يقولون لرسول الله ـ ﷺ ـ : أينما كنت نكن معك، إن خرجت خرجنا، وإن أقمت أقمنا، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا - قاله البغوي.
فكأنه قيل : ماذا تفعل في اختبارهم؟ فقيل : الأمر أوضح من ذلك، فإن لكل حق حقيقة، ولكل فعل أدلة ﴿قل﴾ أي لهم :﴿لا تقسموا﴾ أي لا تحلفوا فإن العلم بما أنتم عليه لا يحتاج إلى الإقسام، ولكن المحرك لكم إلى الخروج محبة الامتثال لا إلزام الإقسام، وفيه إشارة إلى أنهم أهل للاتهام، وكذا قال المتنبي :
وفي يمينك فيما أنت واعده...
ما دل أنك في الميعاد متهم