قوله تعالى ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (١٣٣) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان طلب العبادة للائتمار والانتهاء ربما أوهم الحاجة إليها لنفع في الطاعة أو ضرر يلحقه سبحانه من المعصية، وكان الإمهال مع المبارزة ربما ظن أنه عن عجز، قال مرغباً مرهباً :﴿وربك﴾ أي المحسن إليك وإليهم بإرسالك، وحصر الخبر في المبتدإ بقوله :﴿الغني﴾ أي وحده الغني المطلق عن كل عابد وعبادته، فليعمل العامل لنفع نفسه أو ضرها ﴿ذو الرحمة﴾ أي وحده بلإمهال والإرسال للتنبيه على ما يستحقه من الأعمال ؛ وملا كان اختصاصه بالغنى والرحمة فلا رحمة إلا منه ولا غنى إلا عنه، وأنه ما رتب الثواب والعقارب إلا رحمة منه وجوداً، استأنف بيان ذلك، وأخبر عن هذا المبتدإ بوصفيه عند من جعلها وصفين بقوله مصرحاً بما أفاده :﴿إن يشأ يذهبكم﴾ أي جميعاً بالإهلاك، فلا يقع في ظن أحد منكم أن الإهلاك متوقف على شيء غير مشيئته، ولكنه قضى بإمهالكم إلى آجالكم رحمة لكم وإكراماً لنبيكم ﷺ ؛ ثم قال تحقيقاً لغناه أيضاً :﴿ويستخلف ﴾.
ولما كان لم يجعل لأحد الخلد، أدخل الجار فقال :﴿من بعدكم﴾ أي بعد هلاككم ﴿ما يشاء﴾ أي يبدع غيركم من الخلق من جنسكم أو غير جنسكم كما أبدع أباكم آدم من التراب والتراب من العدم وفرعكم منه ﴿كما أنشأكم من ذرية﴾ أي نسل ﴿قوم آخرين﴾ أي بعد أن أهلكهم أجمعين، وهم أهل السفينة وقد كنتم نطفاً في أصلابهم، لم يكن في واحدة منها حياة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٧١٩﴾
فصل
قال الفخر :