قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكرهم ما كانوا عليه قبل الهجرة من الضعف، وامتنَّ عليهم بما أعزهم به، وختم هذه بالتحذير من الأموال والأولاد الموقعة في الردى، وبتعظيم ما عنده الحامل على الرجاء، تلاها بالأمر بالتقوى الناهية عن الهوى بالإشارة إلى الخوف من سطواته إشارة إلى أنه يجب الجمع بينهما، وبين تعالى أنه يتسبب عنه الأمن من غيره في الأولى والنجاة من عذابه في الأخرى فقال تعالى :﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ تكريراً لهذا الوصف تذكيراً بما يلزم بادعائه ﴿إن تتقوا الله﴾ بإصلاح ذات بينكم، وذلك جامع لأمر الدين كله ﴿يجعل لكم فرقاناً﴾ أي نصراً، لأن مادة " فرق " ترجع إلى الفصل، فكأن الشيء إذا كان متصلاً كان كل جزء منه مقهوراً على ملازمة صاحبه، فإذا جعل له قوة الفرق قدر على الاتصال والانفصال، فحقيقته : يجعل لكم عزاً تصيرون به بحيث تفترقون ممن أردتم متى أردتم وتتصلون بمن أردتم متى أردتم لما عندكم من عزة الممانعة، وتفرقون بين من أردتم متى أردتم لما لديكم من قوة المدافعة، أي يجعل لكم ما يصير لكم به قوة التصرف فيما تريدون من الفصل والوصل الذي هو وظيفة السادة المرجوع إلى قولهم عند التنازع، لا كما كنتم في مكة، لا تأمنون في المقام ولا تقدرون على الكلام - فضلاً عن الخصام - إلا على تهيب شديد، ومع ذلك فلا يؤثر كلامكم أثراً يسمى به فارقاً، والفاروق من الناس الذي يفرق بين الأمور ويفصلها، وبه سمي عمر ـ رضى الله عنهم ـ لأنه أظهر الإسلام بمكة إظهاراً فيه عز وقوة، جعل فيه الإيمان مفارقاً للكفر لا يخافه، وفرق - بالكسر بمعنى خاف - يرجع إلى ما دارت عليه المادة، فإن المراد به : تفرقت همومه من اتساع الخوف، والفرق الذي هو المكيال الكبير كأنه هو الفارق بين الغني والفقير، قال الهروي : هو اثنا عشر مداً : وأفرق من علته - إذا برىء، أي صارت له حالة فرقت بين صحته ومرضه الذي كان به، ومنه الفريقة وهي تمر وحلبة يطبخ للنفساء ؛