قوله تعالى ﴿ قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما فهم موسى عليه السلام مرادهم مما عبر هذا النظم عن حقيقة معناه من تأكيد ضميرهم المتصل بالمنفصل وتعريف الخبر وإقحام الفصل، وكان واثقاً من الله تعالى بما وعده به جارياً مع مراده، لا فرق بين أن يتقدم أو يتأخر ؛ أجابهم إلى سؤالهم.
وهو أوقع في ازدراء شأنهم، فاستأنف سبحانه الخبر عنه بقوله :﴿قال ألقوا﴾ أي أنتم أيها السحرة ما تريدون إلقاءه، وهو أمر تعجيز.
ولما أذن لهم بادروا إلى ذلك كما أفهمه العطف بالفاء في قوله :﴿فلما ألقوا﴾ أي ما أعدوه للسحر ﴿سحروا أعين الناس﴾ أي عن صحة إدراكها حتى خيلوا إليها ما لا على بعض، وبعثوا جماعة ينادون : أيها الناس احذروا ﴿واسترهبوهم﴾ أي وأوجدوا رهبتهم إيجاد راغب فيها طالب لها غاية الطلب.
ولما قيل ذلك، كان ربما ظن أنهم خافوا مما لا يخاف من مثله، فقال تعالى مبيناً أنهم معذورون في خوفهم :﴿وجاءو بسحر عظيم﴾ قال صاحب كتاب الزينة : والسحر على وجوه كثيرة، منه الأخذ بالعين، ومنه ما يفرق به بين المرء وزوجه، ومنه غير ذلك، وأصله مأخوذ من التعلل بالباطل وقلب الأمر عن وجهه كما ذكرنا من لغة العرب. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٨٢ ـ ٨٣﴾
فصل
قال الفخر :
واعلم أن القوم لما راعوا الأدب أولاً وأظهروا ما يدل عى رغبتهم في الابتداء بالإلقاء قال موسى عليه السلام : ألقوا ما أنتم ملقون وفيه سؤال : وهو أن إلقاءهم حبالهم وعصيهم معارضة للمعجزة بالسحر وذلك كفر والأمر بالكفر كفر، وحيث كان كذلك فكيف يجوز لموسى عليه السلام أن يقول ألقوا ؟
ثم قال تعالى :﴿فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ الناس﴾
واحتج به القائلون بأن السحر محض التمويه.
قال القاضي : لو كان السحر حقاً، لكانوا قد سحروا قلوبهم لا أعينهم ؟ فثبت أن المراد أنهم تخيلوا أحوالاً عجيبة مع أن الأمر في الحقيقة ما كان على وفق ما تخيلوه.
قال الواحدي : بل المراد سحروا أعين الناس، أي قلبوها عن صحة أدراكها بسبب تلك التمويهات، وقيل إنهم أتوا بالحبال والعصي ولطخوا تلك الحبال بالزئبق، وجعلوا الزئبق في دواخل تلك العصي، فلما أثر تسخين الشمس فيها تحركت والتوى بعضها على بعض وكانت كثيرة جداً، فالناس تخيلوا أنها تتحرك وتلتوي باختيارها وقدرتها.
وأما قوله :﴿واسترهبوهم﴾ فالمعنى : أن العوام خافوا من حركات تلك الحبال والعصي.
قال المبرد :﴿استرهبوهم﴾ أرهبوهم، والسين زائدة.
قال الزجاج : استدعوا رهبة الناس حتى رهبهم الناس، وذلك بأن بعثوا جماعة ينادون عند إلقاء ذلك : أيها الناس احذروا، فهذا هو الاسترهاب.