قوله تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (٨) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان الإيحاء السابق أول السورة للبشرى لأنها المقصود بالذات وكانت البشرى مقتضية تلويحاً ورمزاً بالأحرف المقطعة لاجتماع أهل الدين وغلبتهم على سائر الأديان وأن دينهم يعم سائر الأمم ويحيط بجميع الخلق، ولا يريد أحد بأهله سوءاً إلا كان له فيه رفعة كما مضى بيانه، وكانت رمزاً لأن المقام للانذار بما تشهد به السورة الماضية، وكان المراد بها التكرار حتى لا تزال لذاذتها في أذن المبشر وحلاوتها في قلبه، ذكرها بلفظ المضارع الدال على التجدد والتكرار والحدوث والاستمرار، وكان المتعنت ربما حمله له على الوعد بالإيحاء في المستقبل، وكان العاقل يكفيه في النذرى مرة واحدة فقال معبراً بالماضي الدال على الإمضاء والقطع والقضاء الحتم في كل من الإيحاء وفائدته التي هي الأنذار، عاطفاً على ما يتصل بالآية السالفة المختومة بنفي الوكالة مما تقديره : إنما عليك البلاغ بالبشارة والنذارة، وقد أوحينا إليك البشارة رمزاً، كما جرت به عادة الأحباب في محاورات الخطاب، ولفت القول إلى مظهر العظمة لأن الإنذار من مجازه :﴿وكذلك﴾ أي ومثل ذلك الإيحاء الذي قدمنا أنا حبوناك به من وحي الإشارة بالحروف المقطعة ﴿أوحينا﴾ بما لنا من العظمة مع الفرق بين كل ملبس ﴿إليك قرآناً﴾ جامعاً لكل حكمة ﴿عربياً﴾ فهو بين الخطاب واضح الصواب معجز الجناب ﴿لتنذر﴾ أي به ﴿أم القرى﴾ مكة التي هي أم الأرض وأصلها، منها دحيت ولشرفها أوقع الفعل عليها، عدا لها عداد العقلاء، ثم بين أن المراد أهلها بقوله :﴿ومن﴾ أي وتنذر من ﴿حولها﴾ وهم سكان جميع الأرض التي هي امها، وبذلك فسره البغوي فقال : قرى الأرض كلها، وكذا القشيري وقال : العالم محدق بالكعبة ومكة لأنها سرة الأرض.


الصفحة التالية
Icon