قوله تعالى ﴿ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (١٧٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان الوكيل من يقوم مقام الموكل، ويفعل ما يعجز عنه الموكل، وكان الله تعالى لا يعجزه شيء، ولا يحتاج إلى شيء، وكان عيسى عليه الصلاة السلام لا يدّعي القدرة على شيء إلا بالله، وكان يحتاج إلى النوم وإلى الأكل والشرب وإلى ما يستلزمانه، صح أنه عبدالله فقال سبحانه دالاً على ذلك :﴿لن يستنكف﴾ أي يطلب ويريد أن يمتنع ويأبى ويستحي ويأنف ويستكبر ﴿المسيح﴾ أي الذي ادعوا فيه الإلهية، وأنفوا له من العبودية لكونه خلق من غير ذكر، ولكونه أيضاً يخبر ببعض المغيبات، ويحيي بعض الأموات، ويأتي بخوارق العادات ﴿أن﴾ أي من أن ﴿يكون عبداً لله﴾ أي الملك الأعظم الذي عيسى عليه الصلاة والسلام من جملة مخلوقاته، فإنه من جنس البشر في الجملة وإن كان خلقه خارقاً لعادة البشر ﴿ولا الملائكة﴾ أي الذين هم أعجب خلقاً منه في كونهم ليسوا من ذكر ولا أنثى ولا ما يجانس عنصر البشر، فكانوا لذلك أعجب خلقاً من آدم عليه الصلاة والسلام أيضاً، وهم لا يستنكفون بذلك عن أن يكونوا عباد الله.


الصفحة التالية
Icon