ولما كان التقريب مقتضياً في الأغلب للاستحقاق، وكان صفة عامة للملائكة قال :﴿المقربون﴾ أي الذين هم في حضرة القدس، فهم أجدر بعلم المغيبات وإظهار الكرامات، وجبرئيل الذي هو أحدهم كان سبباً في حياة عيسى عليه الصلاة والسلام، وقد ادعى بعض الناس فيهم الإلهية أيضاً، وبهذا طاح استدلال المعتزلة بهذه الآية على أفضلية الملك على البشر بأن العادة في مثل هذا السياق الترقي من الأدنى إلى الأعلى بعد تسليم مدعاهم، لكن في الخلق لا في المخلوق.
ولما أخبر تعالى عن خلّص عباده بالتشرف بعبوديته أخبر عمن يأبى ذلك، فقال مهدداً محذراً موعداً :﴿ومن يستنكف﴾ أي من الموجودات كلهم ﴿عن عبادته﴾ ولما كان الاستنكاف قد يكون بمعنى مجرد الامتناع لا كبراً، قال مبيناً للمراد من معناه هنا :﴿ويستكبر﴾ أي يطلب الكبر عن ذلك ويوجده، لأن مجرد الامتناع لا يستلزمه.
ولما كان الحشر عاماً للمستكبر وغيره كان الضمير في ﴿فسيحشرهم﴾ عائداً على العباد المشار إليهم بعبداً وعبادته، ولا يستحسن عوده على " مَنْ " لأن التفصيل يأباه، والتقدير حينئذ : فسيذلهم لأنه سيحشر العباد ﴿إليه جميعاً﴾ أي المستكبرين وغيرهم بوعد لا خلف فيه لأن الكل يموتون، ومن مات كان مخلوقاً محدثاً قطعاً، ومن كان مقدوراً على ابتدائه وإفنائه كانت القدرة على إعادته أولى، والحشر : الجمع بكره. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٧٨﴾

فصل


قال الفخر :
قال الزجاج : لن يستنكف أي لن يأنف، وأصله في اللغة من نكفت الدمع إذا نحيته بأصبعك عن خدك، فتأويل ﴿لَّن يَسْتَنكِفَ﴾ أي لن يتنغص ولم يمنع، وقال الأزهري : سمعت المنذري يقول : سمعت أبا العباس وقد سئل عن الاستنكاف فقال : هو من النكف، يقال ما عليه في هذا الأمر من نكف ولا كف، والنكف أن يقال له سوء، واستنكف إذا دفع ذلك السوء عنه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٩٤﴾
قال ابن عاشور :


الصفحة التالية
Icon