﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾
استئناف واقع موقع تحقيق جملة ﴿ له ما في السماوات وما في الأرض ﴾ [ النساء : ١٧١ ] أو موقع الاستدلال على ما تضمّنته جملة ﴿ سبحانه أن يكون له ولد ﴾ [ النساء : ١٧١ ].
والاستنكاف : التكبّر والامتناع بأنفة، فهو أشد من الاستكبار، ونفي استنكاف المسيح : إمّا إخبار عن اعتراف عيسى بأنّه عبد الله، وإمّا احتجاج على النّصارى بما يوجد في أناجيلهم.
قال الله تعالى حكاية عنه ﴿ قال إنّي عبد الله آتاني الكتاب ﴾ [ مريم : ٣٠ ] إلخ.
وفي نصوص الإنجيل كثير ممّا يدلّ على أنّ المسيح عبد الله وأنّ الله إلهُه وربّه، كما في مجادلته مع إبليس، فقد قال له المسيح "للربّ إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد".
وعُدل عن طريق الإضافة في قوله :﴿ عبداً لِلّه ﴾ فأظهر الحرف الّذي تقدّر الإضافة عليه : لأنّ التنكير هنا أظهر في العبودية، أي عبداً من جملة العبيد، ولو قال : عبدَ اللّهِ لأوهمت الإضافة أنّه العبد الخِصّيص، أو أنّ ذلك علَم له.
وأمّا ما حكى الله عن عيسى عليه السلام في قوله ﴿ قال إنّي عبد الله آتاني الكتاب ﴾ [ مريم : ٣٠ ] فلأنّه لم يكن في مقام خطاب من ادّعوا له الإلهية.
وعطف الملائكة على المسيح مع أنّه لم يتقدّم ذِكْر لمزاعم المشركين بأنّ الملائكة بنات الله حتّى يتعرّض لردّ ذلك، إدماج لقصد استقصاء كلّ من ادعيت له بنوة الله، ليشمله الخبر بنفي استنكافه عن أن يكون عبداً لله، إذ قد تقدّم قبله قوله :﴿ سبحانه أن يكون له ولد ﴾ [ النساء : ١٧١ ]، وقد قالت العرب : إنّ الملائكة بنات الله من نساء الجنّ، ولأنَّه قد تقدّم أيضاً قوله :﴿ له ما في السماوات وما في الأرض ﴾ [ النساء : ١٧١ ]، ومِنْ أفضل ما في السماوات الملائكة، فذكروا هنا للدلالة على اعترافهم بالعبوديّة.