قوله تعالى ﴿ وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكر هذا القسم المارد الجافي، ثنى بمقابلة اللين الصافي، وهي الفرقة التي نجز المتاب عليها والنظر بعين الرحمة إليها فقال :﴿وآخرون﴾ أي ممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة آخرون ﴿اعترفوا بذنوبهم﴾ أي كلفوا أنفسهم ذكرها توبة منهم ندماً وإقلاعاً وعزماً ولم يفزعوا إلى المعاذير الكاذبة وهو المقتصدون.
ولما كان الخلط جمعاً في امتزاج، كان بمجرد ذكره يفهم أن المخلوط امتزج بغيره، فالإتيان بالواو في ﴿آخر﴾ يفهم أن المعنى :﴿خلطوا عملاً صالحاً﴾ بسيىء ﴿وآخر سيئاً﴾ بصالح، فهو من ألطف شاهد لنوع الاحتباك، ولعل التعبير بما أفهم ذلك إشارة إلى تساوي العملين وأنه ليس أحدهما بأولى أحدهما بأولى من الآخر أن يكون أصلاً، وقد فسرها النبي ـ ﷺ ـ بذلك في أناس رآهم في المنام شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح كما رواه البخاري في التفسير عن سمرة ـ رضى الله عنهم ـ ثم أوجب تحقيق توبتهم الملزومة للاعتراف بقبولها بقوله :﴿عسى الله﴾ أي بما له من الإحاطة بأوصاف الكمال ﴿أن يتوب عليهم﴾ فإن ﴿عسى﴾ منه سبحانه وتعالى واجبه لأن هذا دأب الملوك ولعل التعبير بها يفيد - مع الإيذان بأنه لا يجب عليه لأحد شيء وأن كل إحسان يفعله فإنما هو على سبيل الفضل إشارة إلى أنهم صاروا كغيرهم من خلص المؤمنين غير المعصومين في مواقعة التقصير وتوقع الرحمة من الله بالرجوع بهم إلى المراقبة، فكما أن أولئك معدودون في حزب الله مع هذا التقصير المرجو له العفو فكذلك هؤلاء ؛ ثم علل فعله بهم مرجياً للمزيد بقولع :﴿إن الله﴾ أي ذا الجلال والإكرام ﴿غفور رحيم﴾ أي لم يزل موصوفاً بقبول المعرض إذا أقبل وإبدال سئيه بحسن فضلاً منه وإكراماً ؛ روى البخاري في صحيحه في التفسير عن سمرة بن جندب ـ رضى الله عنهم ـ قال : قال رسول الله ـ ﷺ ـ لنا :" أتاني اللية آتيان فابتعثاني فانتهيا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء، قالا لهم : اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة، قالا لي : هذه جنة عدن، وهذاك منزلك، قالا : أما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإنهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عفا الله عنهم ". أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٣٨١ ـ ٣٨٢﴾


الصفحة التالية
Icon